قصص وتقارير

الناجيات الايزيديات من داعش: بين المشاكل النفسية وصعوبة الاندماج في المجتمع

تحقيق -حنان زبيس

أرى كوابيس وأحلم أن مقاتلي التنظيم يخنقونني ويغتصبونني، فأستيقظ مرعوبة. أحس كل الوقت، بالخوف وبعدم الامان وأتسائل دائما كيف سأكمل حياتي بدون أب وأم وعائلة؟”، تروي أميرة ( اسم مستعار) وقد تقلصت تقاسيم وجهها من الألم، وهي جالسة على ارض الخيمة المغبرة في مخيم بعدرا (دهوك) وعيناها فارغة وكأنها تستعيد الذكريات الاليمة.

هي فتاة ايزيدية تبلغ من العمر 17 سنة، أسرها داعش مع عائلتها عند هجومه على سنجار (3 آب 2014) وأُخذت الى تلعفر ومنها الى الموصل حيث تم بيعها الى امير اربعيني اسمه أحمد. حاولت الهروب مرة ولم تنجح، فقام مقاتلوا التنظيم بحبسها وتقييدها لمدة اربعة ايام بدون أكل وضربوها وهددوها بقتل أمها الاسيرة عندهم ان لم تعتنق الاسلام ولم تصلي. ولكنها اعادت الكرة ونجحت في الفرار في المرة الثانية، حيث تلقت المساعدة من عائلة موصلية.

فرارها من قبضة التنظيم، لم ينهي عذابها بل فتح صفحة جديدة في كتاب معاناتها. فالكوابيس لا تنتهي والاحساس بالخوف يسكنها والتفكير في المستقبل يرعبها. ورغم انها تتلقى علاجا نفسيا في دائرة الوقاية الصحية في دهوك، فإنها لا تستطيع نسيان ما حصل لها. وهو ماجعلها تحاول الانتحار عديد المرات.

أسماء ( اسم مستعار)، 20 سنة، أنجبت ابنها وهي بين أيدي داعش. هو اليوم يبلغ من العمر 10 أشهر، لم تكن تتعرض فقط للتعذيب والاعتداء الجنسي، بل كان المقاتلون يحرمون ابنها من الحصول على الحليب، كما أنها أنجبت في ظروف سيئة، بمساعدة جدتها الاسيرة معها وبدون اية رعاية صحية. ولكن الأسوأ بالنسبة لها كان تسمية مقاتلي التنظيم ابنها على اسم أبي بكر البغدادي، زعيم داعش.

هي ايضا تتلقى الرعاية النفسية بعد هروبها، لكنها لا تنفك تستعيد في كل لحظة ما حصل معها. “كل ليلة أستعيد في حلمي كيف هجم داعش على قريتنا حردان (قضاء سنجار) وقتل الرجال وأخذ النساء واغتصبهن، فأستيقظ من النوم والدموع تبلل وسادتي”.

على الرغم من تحرير الكثير من الايزيديات المختطفات من قبل داعش، إلا ان أغلبهن يعدن بمشاكل نفسية عميقة، عدا حمل البعض منهن واضطرارهن الى الاجهاض، في حين تقع أخريات ضحايا اغراءات حزب العمال الكردستاني الذي يقوم بتجنيدهن للقتال في سنجار.

اضطرابات نفسية متعددة

” قمنا الى حد الآن بتحرير 2579 مختطف أيزيدي منهم 931 امراة و 1323 طفل و325 رجل” يقول حسين كورو القائدي، المعروف بأبو علي، مدير مكتب شؤون المخطوفين، التابع لمكتب رئيس حكومة اقليم كردستان، مبينا أن من بقوا في ايدي داعش يقدر عددهم ب3800 شخص.

تنشط المكاتب الحكومية في تحرير الايزيديات المختطفات من داعش وكذلك بعض المنظمات المحلية  والناشطون الايزيدييون وقد تم ارجاع  ما يقارب الالف منهن، ليتم اعادتهن الى ما تبقى من عائلاتهن. إلا ان عودتهن لا تعني نهاية المأساة وانما بداية معاناة أخرى وهي العيش مع ذكريات السبي والتعذيب والاغتصاب، ومحاولة تجاوز هذا الارث الثقيل، للبدء من جديد. كما أن ظروف العيش الصعبة في المخيمات وفقدان أفراد الاسرة التي مازال الكثيرون منها في أيدي داعش، لا يمثل عاملا مساعدا للنسيان.

تقول الدكتورة نغم نوزاد، اخصائية نسائية تعمل في دائرة الوقاية الصحية بدهوك الذي خُصصت لتقديم الرعاية الصحية الجسمانية والنفسية للناجيات الايزيديات ” ن المشكلة الاساسية التي يعانين منها هي سوء الوضع النفسي. فرغم المتابعة  الصحية والنفسية التي نوفرها لهن، إلا أن وضعهن يبقى صعبا، فهن يعشن في المخيمات، وقد فقدن أسرهن وليس لديهن اي اخبار عنهم، الى جانب انهن يسمعن اخبار داعش 24 ساعة في اليوم”، مضيفة بأسف “ليس لديهن امكانية حقيقية للنسيان”.

عند رجوعهن، تعاني معظم الناجيات من مشاكل نفسية تتفاوت درجاتها. وأهم الاضطرابات النفسية التي يعانين منها، حسبما يبينه دكتور عدنان أسعد طاهر، اخصائي نفساني بمستشفى آزادي بدهوك، قسم الصحة النفسية، “اضطرابات ما بعد الصدمة مثل رؤية الكوابيس، والاكتئاب، والاضطراب القلقي العام أي أن يتوقع الانسان اسوء الاحتمالات لو رن جرس التلفون او دق الباب أو لو سمع أي صوت”.

بسمة حجي وهي اخصائية اجتماعية تعمل في منظمة وادي الالمانية وتشتغل على المساندة النفسية والاجتماعية للناجيات، منذ تشرين الاول 2014، تروي قصصا لفتيات حاولن الانتحار عديد المرات بعد عودتهن. “اتصل بي اهل احدى الناجيات طالبين مني ان آتي بسرعة الى المخيم الذي يوجدون فيه. حين وصلت وجدت ان الفتاة خدشت كل جسمها باظافرها وحاولت خنق نفسها بغطاء رأسها. وعندما سألتها لماذا؟ أخبرتني انها رأت، وهي صاحية، مقاتلا من داعش يغتصبها”.

زميلتها سارة حسن، اخصائية اجتماعية في نفس المنظمة، روت لنا قصة بنت في الثانية عشرة من عمرها كان مالكها الداعشي يضع لها منوما كل ليلة في الحليب ويغتصبها، وهي لم تصل بعد الى سن البلوغ، لتستيقظ وتجد نفسها مضرجة بدمائها. “هذه البنت بقيت شهرين بعد رجوعها الى المخيم صامتة دون ان تنطق بكلمة واحدة”.

تعمل بسمة وسارة على زيارة المخيمات في محافظة دهوك (22 مخيم) بشكل دوري لمساعدة الناجيات، سواء من الناحية النفسية او المادية. تتمثل طريقة عملهما في الدخول في علاقة ثقة معهن حتى يحكين في مرحلة أولى ما حصل معهن، لتتم فيما بعد، مساعدتهن في الحصول على العلاج النفسي عبر تحويلهن الى المستشفى او الى دائرة الوقاية الصحية في دهوك. “كوننا ايزيديات، وكوننا فقدنا مثلهن البعض من اهلنا بعد الهجوم على سنجار، ساعدنا ذلك كثيرا في جعلهن يشعرن بالاطمئنان معنا فيفتحن لنا قلوبهن ويبحن لنا بما حصل معهن”، تؤكد بسمة. من جهتها، تبين سارة أن منهجيتهما “تعتمد على زيارة الناجيات من داعش عدة مرات، وتركهن على راحتهن، إن اردن ان يروين قصصهن أم لا، في نفس الوقت، نحاول أن نعرف حاجياتهن ونأخذهن في نزهات خارج المخيم الى السوق او الى الحدائق العامة حتى يخرجن من الجو الذي يعشن فيه”.

041e10a1-e653-4cf6-ad80-329c0445ed2b

الرعاية موجودة ولكن غير كافية

حكومة اقليم كردستان أولت موضوع الاحاطة الطبية والنفسية بالناجيات الأيزيديات اهتماما كبيرا منذ بداية الازمة في آب 2014، حيث تم منذ الشهر العاشر من سنة 2014  تخصيص مركز للرعاية الصحية لهن في دهوك، حسبما يبينه مدير صحة دهوك، نزار عصمت.

ويضيف “عندما تصل الناجية الى مركز الرعاية، يتم اعطاؤها كودا واسما مزيفا حتى لا يتعرف احد عليها، ثم نخضعها لمجموعة من الفحوصات الجسدية لنعرف اذا كانت حاملة لفيروسات (ايدز، ايبولا، أمراض منقولة جنسيا) او اذا كانت حاملا، كما تخضع أيضا إلى تقييم نفسي لنعرف حالتها بالضبط، وعلى ضوء ذلك نقدم لها برنامج علاج نفسي خاص بها”.

بالنسبة للحالات الصعبة، يتم تحويلها لمستشفى آزادي بدهوك، قسم الصحة النفسية، حيث يعمل هناك اخصائيون نفسيون يتولون متابعة الحالات ومعالجتها. “ما نقوم به هو تعليم المريضات كيفية التعامل مع الضغوطات النفسية. اما اذا كن مصابات باضطرابات نفسية حادة، فنخضعن لجلسات نفسية خاصة تستمر ما بين شهرين و3 اشهر”، يوضح  د.عدنان أسعد طاهر الذي يشرف على الحالات في المستشفى.

يؤكد د.عدنان، ان العديد من الحالات تحسنت بالفعل بفضل العلاج النفسي الذي تلقينه. الا ان الامكانيات المتوفرة للرعاية النفسية تبقى دون المستوى المطلوب، نظرا للعدد الكبير من الناجيات اللواتي يعانين اوضاعا صعبة، كما ان عيشهن في المخيمات التي تذكرهن بمآسيهن، لا يساعدهن على النسيان والشفاء.

مناخ اجتماعي غير مساعد

تحسن الحالة النفسية للناجيات هو أيضا رهين المحيط الذي يعشن فيه ومدى تقبل مجتمعهن المحافظ لهن. لا شك ان البيان الذي اصدرته المرجعية الدينية الايزيدية المتمثلة في بابا شيخ، يوم 6 ايلول 2014، (اي شهر بعد هجوم داعش على سنجار) كان له دور كبير في تقبل العائلات لبناتهن العائدات من قبضة التنظيم، حيث طالب البيان، الذي صدر لأول مرة في تاريخ الديانة الايزيدية، باستقبالهن واعتبارهن غير مذنبات فيما حصل معهن. يقول سماحة باب شيخ “كان لابد لنا من اصداره لأن العديد من الفتيات كن يخفن من الهروب من داعش، خشية من أن يتم قتلهن من قبل أهلهن، فرأينا أن ندعو المجتمع الايزيدي لتقبلهن لانهن تعرضن للسبي والاغتصاب وأجبرن على تغيير ديانتهن قسرا ولم يخترن ذلك، فهن اذا ضحايا ولسن مذنبات”.

وبالفعل، فقد تم التعامل بشكل جيد مع الناجيات من قبل أسرهن. ” تفاجأنا عندما رأينا كيف استقبل الاهالي بناتهن العائدات ورحبوا بهن”، كما تؤكد بسمة، الاخصائية الاجتماعية، “بل ان الكثير منهم تعاونوا معنا في معالجتهن”.

لكن ردود فعل المجتمع الايزيدي ككل على رجوع المختطفات لم تكن جميعها ايجابية، فقد ظلت الناجيات تعانين من نظرة الاتهام لهن، بالاضافة الى الاسئلة المتواصلة عما حصل لهن وهن في الاسر. “كلما خرجت من الخيمة، لا تنفك العيون تلاحقني وجميع من يعترضون طريقي داخل المخيم يسألونني: هل تعرضت للاغتصاب؟، كما ان الشبان يشيرون إلي باصابعهم قائلين: هذه التي تم الاعتداء عليها من قبل داعش ولا يمكن أبدا الزواج بها”، تروي فاتن (اسم مستعار) وهي تحبس دموعها.

طلب كبير على عمليات اعادة البكارة والاجهاض

هذه النظرات المتشككة والتلميحات جعلت العديد من الناجيات يشعرن بالحاجة الى القيام بعمليات استعادة غشاء البكارة، في محاولة لاستعادة شرف انتُهك رغما عنهن، لعل ذلك يساعدهن ” في الاحساس بأنهن فتيات عاديات”.

“عندما نذهب لزيارة الناجيات، العديد منهن يطلبن منا ان نساعدهن في ايجاد حل لاسترجاع عذريتهن وعندما نسألهن لماذا؟ يقلن لنا لا نستطيع ان نعيش حياة عادية بعد الاعتداء الجنسي الذي تعرضنا اليه”، توضح بسمة، الاخصائية الاجتماعية، مضيفة” لذلك قمنا بالتنسيق مع حكومة كردستان ودائرة صحة دهوك ودائرة صحة زاخو حتى نأخذ البنات عندهم بصفة سرية، حيث يتم اجراء عمليات اعادة العذرية لهن”. هذا ما يؤكده من جهته، مدير صحة دهوك في قوله: “هناك حالات يطلبن منا اجراء عمليات إعادة عذرية لهن ونحن نستجيب لطلباتهن حسب القوانين والتعليمات الصحية”، إلا أنه يحذر من أن “كل العمليات ليست ناجحة”، خاصة اذا تعرضت البنت الى اغتصاب جماعي.

الناجيات يطلبن ايضا المساعدة للاجهاض اذا حملن من مقاتلي داعش. وهو ما توفره لهم ايضا دائرة الصحة في دهوك. إلا ان ذلك لا يتم دائما في الآجال القانونية، فقد يتم الاجهاض بعد ثلاثة اشهر من الحمل او حتى في الاشهر الاخيرة،  نتيجة الحاح الناجيات للتخلص من حمل يذكرهن بالمأساة التي تعرضن لها. تقول سارة حسن، الاخصائية الاجتماعية ” صادفتنا حالة احدى الناجيات التي كانت حاملا في الشهر الرابع وكانت مصرة على الاجهاض ولا تنفك تردد: لا أريد طفل داعش ولو لم تساعدوني على التخلص منه سأنتحر!”.

من جهتهم، يرفض العاملون في دائرة صحة دهوك الحديث عن هذا الموضوع، مفضلين التكتم التام حول هذه المسألة الحساسة.

إلا ان الموضوع يطرح نفسه، خاصة بالنسبة لمختطفات بقينا فترة طويلة في ايدي التنظيم وتعرضن للاعتداء الجنسي والاغتصاب ولم يتمكنن كلهن من الاجهاض. تخبرنا سارة، الاخصائية الاجتماعية عن قصة امرأة ايزيدية كانت سبية في سوريا وهربت من داعش وهي حامل في الشهر الثامن وذهبت لتلد في تركيا، بعيدا عن الانظار، ثم تخلت عن الطفل هناك في المستشفى وعادت للعراق. “بالنسبة لها، من المستحيل ان تحتفظ بطفل داعش معها”.

يصعب الحصول على معلومات عن اطفال ولدوا نتيجة عمليات الاغتصاب، بسبب التكتم الشديد على الموضوع، سواءا من الناجيات او من الدوائر الحكومية التي تساعدهم، ولكن الاكيد هو انهم موجودون وعلى حكومة الاقليم ان تجد حلا لهم عاجلا أم آجلا.

افتتاح مراكز لاعادة الادماج

في ظل هذه الظروف الصعبة  التي تعيشها الناجيات، يصبح من الضروري ايجاد حلول لاعادة ادماجهن في مجتمعاتهن وفتح آفاق جديدة أمامهن. في هذا الصدد، تسعى بعض المنظمات الى تنظيم دورات لتعليمهن الخياطة والتطريز والحلاقة والقراءة والكتابة (لمن لا يجدنها).

في بداية شهر تموز 2015، فتحت منظمة وادي مركز جيندا (تعني وهب الحياة) لرعاية المتضررات من داعش وذلك بمساهمة اليونيسيف ومنظمات دولية أخرى. “جاءتنا الفكرة من خلال ما لاحظناه من حاجة الفتيات الناجيات الى الخروج من الجو الصعب الذي يعشن فيه، خاصة في المخيمات”، تفسر تشيمان عبد العزيز رشيد مديرة المركز.  يقوم المركز بنقل الناجيات يوميا من مختلف المخيمات في محافظة دهوك، حيث يوجدن. وهو يوفر لهن انشطة ترفيهية وتثقيفية وتعليمية، حيث يتم تعليمهن الخياطة، والأعمال اليدوية، والحلاقة، واعداد الحلويات. ويتم أخذهن ايضا الى الملعب لممارسة الرياضة او الى الحدائق العامة للترفيه عنهن. كما تُعرض لهن افلام وثائقية حول نساء تعرضن لمآسي مماثلة لما شهدنه مثل نساء كوسوفو، حتى يعرفن انهن لسن وحدهن. وهناك ايضا مكتبة لمن يردن ان يثقفن انفسهن.

“هناك ايضا برنامج في نطاق مركز جيندا لمساعدة الناجيات اللواتي لا يقدرن على مغادرة المخيم لانهن يجب ان يعتنين بأطفالهن.، حيث يتم ارسال مدربات الى المخيم لتدريبهن”، تؤكد تشيمان. وقد ساعد المركز منذ فتحه الى حد الآن 260 ناجية.

تم ايضا انشاء مركزين لاعادة تاهيل الناجيات الايزيديات في أربيل من قبل منظمات دولية، بالتعاون مع حكومة اقليم كردستان، حسبما يخبرنا به أبو علي، مدير مكتب شؤون المخطوفين الذي يقول: “نقوم  بتقديم العلاج النفسي والجسدي لهن ومساعدتهن على الاندماج من جديد في مجتمعهن”. كما يبين ابو علي ان مكان المركزين يبقى سريا حتى لا يتم ازعاج الفتيات”. وقد استقبل المركزان حوالي 200 ناجية.

السفر خارج العراق للعلاج

رغم محاولة اعادة تأهيل الناجيات ومساعدتهن على الانخراط من جديد في مجتمعهن، إلا ان حالة العديد منهن تبقى صعبة، مما يستوجب نقلهن خارج العراق للعلاج. في هذا الصدد، تندرج اتفاقية التعاون التي تم امضاؤها سنة 2014 بين ولاية بادن فورتمبيرغ الالمانية وحكومة اقليم كردستان لاستقدام حوالي 1000 امراة ايزيدية من ضحايا داعش الى ألمانيا للعلاج مع عوائلهن، إلى نهاية 2015. تشرف على تنفيذ هذا البرنامج منظمة الجسر الجوي العراقي الالماني التي تهتم باختيار الحالات وتسفيرها. وتبلغ كلفة المشروع 30 مليون يورو. وقد تم تسفير 1080 ناجية من خلال هذا المشروع.

“عند وصولهن إلى ألمانيا، يتم منحهن اقامة لمدة سنتين ويُوفر لهن السكن والمعيشة والراتب والعلاج الطبي والنفسي”، يوضح الدكتور ميرزا بناوي، مدير المنظمة، مؤكدا أن “أكثر ما تحتاج اليه اغلب الناجيات اللواتي سافرن، هو الخروج من الجو الذي كن يعشن فيه في العراق، حتى تشعرن بالامان والاستقرار”. بعد السنتين، للناجية الحرية في العودة الى العراق او البقاء، حيث تتمتع باقامة دائمة في المانيا.

اختيار الحالات التي يتم تسفيرها يكون عبر جملة من المقاييس التي يحددها البرنامج وتُعطى الاولوية إلى “النساء اللواتي كن أسيرات في أيدي مقاتلي تنظيم “الدولة الإسلامية” ونجحن في الهرب، بمعنى
النساء اللواتي هن في حاجة إلى حماية، أو تعرضن لصدمات نفسية أو أصبن بمرض آخر نتيجة الأسر”، حسبما حدده إلهان كيزيلهان، المعالج النفسي الأماني والخبير في مجال الصدمات النفسية الذي يسافر باستمرار الى العراق ليشرف على هذه العملية، وذلك في تصريحه لقناة دوتشيه فيليه الالمانية.

تعتبر الدكتور نغم نوزاد وهي ايضا متطوعة في منظمة الجسر الجوي ان هذا البرنامج كان له آثار ايجابية على الناجيات اللواتي تم تسفيرهن الى ألمانيا، حيث تقول: “لاحظنا انهن ارتحن نفسانيا بشكل كبير وخف عندهن الشعور بالقلق والخوف، نتيجة الاحساس بالامان”. وتضيف ” في العراق، كان وضعهن المعيشي صعب جدا، حيث يحاولن ان يهربن من نظرة المجتمع، كما أن في داخل كل واحدة منهن شيء ما انكسر، لذا، فعندما تسافرن، تكون عندهن فرصة لنسيان ما حصل معهن والاهتمام باشياء اخرى كالعودة إلى الدراسة أو تعلم اللغة الالمانية أو دخول دورات لتعلم نشاط ما”.

عديد الانتقادات تعرض لها هذا البرنامج من قبل الناجيات انفسهن، حيث وجدن صعوبة في التاقلم مع البيئة الجديدة ومتطلباتها، كما انهن لم يتحملن البعد عن عائلاتهن.

فاتن (اسم مستعار)، 17 سنة، هي احدى الناجيات التي تم تسفيرهن الى ألمانيا ضمن هذا البرنامج لكنها عادت بعد شهرين الى العراق لتكون قريبة من عائلتها، خاصة وانها الوحيدة التي بقيت لأمها وأبيها، بعد ان قتل داعش الباقين من أهلها.

عن تجربتها في مدينة شتوتغارت الألمانية تروي قائلة:” حالما وصلنا، انا والفتيات اللواتي اتين معي في نفس الوجبة، تم اجراء فحوصات طبية ونفسية كاملة لنا، ثم تم اعطاؤنا راتبا شهريا (325 يورو للشخص الواحد) وبطاقات مجانية لركوب القطار وقيل لنا انتن احرار اذهبن حيث تردن!”

منى، 19 سنة، سافرت مرتين لالمانيا لتقرر العودة نهائيا الى العراق مع أختها وأخيها وأمها. فقد وجدت نفسها وعائلتها، مع مئة وثلاث عشر عائلة ايزيدية في مشفى من أربعة طوابق في شتوتغارت، نظرا لعدم وجود شقق فارغة. تقول: “حياتنا هناك سجن وبلا معنى، نتوزع كل اثنين بغرفة ولا يوجد سوى تلفزيون واحد للجميع وبدون قنوات عراقية، كما ان الراتب الشهري يكفي فقط للطعام والشراب، أما الملابس فلا نستطيع شراءها”.

تعتبر الدكتورة نغم أن ردة فعل الناجيات الموجودات حاليا في المانيا عادية “لأن بيئة أوروبا تختلف عن بيئتنا، فيصعب عليهن التأقلم بسهولة”. أما فيما يخص غياب القنوات التلفزية العربية والعراقية، فإنها تفسر ذلك بحرص المعالجين النفسيين الالمان على ابعاد الناجيات عن اي مصدر ممكن يذكرهم بداعش وبما حصل معهم في العراق. واضافت: “في كل الاحوال، وجودهم في المانيا حاليا افضل من بقائهم في العراق خاصة ان الوضع لم يتحسن، فلا تحررت مناطقهم بالكامل ولا رجع اهلهم الذين خطفهم وسباهم تنظيم الدولة الاسلامية”.

التجنيد من قبل حزب العمال الكردستاني

كل الناجيات لم تتوفر لهن فرصة مغادرة العراق مثل فاتن ومنى وغيرهما لأن برنامج التسفير الى ألمانيا لم يشمل في الأخير سوى 1080 شخص وهو عدد غير كاف.

لذلك، فإن الكثيرات استسلمن لإغراءات حزب العمال الكردستاني الذي ينشط في منطقة سنجار الحدودية بين العراق وسوريا، حيث يستغل وضعهن ومأساتهن ليقوم بتجنيدهن، ويخبرهن بأنه سيعلمهن كيف يحمين انفسهن وينتقمن من داعش بالقتال في صفوفه في منطقة سنجار.

تتواتر القصص عن فتيات ايزيديات ناجيات تركن المخيمات للالتحاق بوحدات حماية المرأة في سنجار التابعة لحزب العمال وهي قوة عسكرية نسائية تأسست في 25 يناير 2015 خاصة بالنساء الايزيديات. ويتم التحاقهن بها، في العديد من الاحيان، دون علم الأهل.

ما شجع حزب العمال على تجنيد الايزيديات الناجيات هو مساهمته في انقاذ العديد منهن، خاصة اللواتي كن في ايدي داعش في سوريا.  تروي تشيمن عبد العزيز، مديرة مركز جيندا،  قصة احدى الناجيات التي ساعدها مقاتلوا حزب العمال على الهرب من داعش مع بنتين اخريين وقد كن في سوريا، ثم طلبوا منهن الالتحاق بهم ولكن هذه الفتاة طلبت فرصة بثلاثة ايام لرؤية اهلها في العراق ولم ترجع اليهم، بل بقيت في احدى المخيمات في دهوك.

لا تنكر مسؤولات وحدات حماية المرأة انهن يقمن بتدريب الايزيديات من سنجار وغيرها على القتال ليلتحقن بعد ذلك بالحبهات في الحرب مع داعش، لكنهن ينكرن أنهن يقمن بتجنيد الناجيات ويؤكدن ان من يلتحقن بهن يأتين باختيارهن، حيث تقول هيزل إحدى المدربات، “تأتينا ايزيديات من المخيمات اين يواجهن ضغوطا نفسية، ويتصلن بنا بشكل كبير، يردن الانضمام الينا. وبما أنهن يجدن صعوبات في تحدي العادات والتقاليد السائدة التي تمنعهن من الالتحاق بنا، فنحن نساعدهن على المجيء ونسهل لهن ذلك”.

من جهة أخرى، تعترف المسؤولات أن تجنيد الايزيديات اصبح اسهل من قبل بسبب المأساة التي تعرضن اليها في سنجار. تقول هدار، احدى الكوادر في وحدات حماية المرأة بسنجار: “قبل المجزرة، كان من الصعب الوصول اليهن لأن العائلات معترضة، فكنا نأخذ بعضا منهن ندربهن على السلاح ببيوتهن، بشكل سري او في مكان ما، ولكن بعد ما حصل في سنجار، اصبح المجال مفتوحا وصرنا نقدر أن نأتي بهن الى هنا (جبل سنجار) وندربهن”.

نعيمة خليل سعدو، 28 سنة، فتاة ايزيدية من سنجار انضمت سابقا الى قوة النساء التابعة لحزب العمال في سنجار. تقول: في البداية، عندما رايت مقاتلات الحزب وقد جئن الى ارضنا لمحاربة داعش، رغبت في الانضمام لهن، ولكن فيما بعد طلبوا مني ان اقاتل في اراضي اخرى لا يوجد فيها ايزيديين، فرفضت لان مبدئي هو الدفاع عن ارضي”. وتضيف ” شددوا الضغط علي وهددوني، فهربت. حاولوا ملاحقتي، ولكني احتميت بقوات البشمركة”.

بين مطرقة داعش وسندان حزب العمال، تجد الايزيديات الناجيات أنفسهن ضحايا لقوى ومصالح تتجاوزهن. في الاثناء، يحاولن جاهدات تجاوز ما تعرضن له والبدء من جديد.

هكذا تسعى أميرة ان تستصدر بطاقة هوية وشهادة جنسية حتى تستطيع الحصول على جواز سفر يمكنها من السفر خارج العراق، حيث صار كل شيء يذكرها بمأساتها.

المصدر /مجلة عراقيات

زر الذهاب إلى الأعلى