غير مصنف

علماء يفككون «ميكانيكية» خروج الروح من الجسد

[manar]يقول علماء من جامعة “أوتاوا” في كندا، إنهم استطاعوا تَحْلِيل ما يحدث بالضبط، لحظة خروج الروح من الجسد، عند الموت، عند لَفظ النَّفَس الأَخِير، فيشعر الإنسان بطوفان شبحي حول جسده المسجى، في إحساس “مريب” يتحوّل فيه الجسد والواقع المادي الى جسم أثيري في عالم “ماورائي”، مازال يشكل تحدياً كبيراً للعلم، بظواهره الغريبة، وإشكالاته الغيبية.

وعبر العديد من التجارب على متطوّعين، بينهم امرأة خضعت لاختبار “تجربة خروج الروح من الجسد “OBE”، تعرّض خلالها الدماغ لصدمات كهربائية، فانّ الذي خاتَلَها، هو فقدان الوعي بوجودها الحِسِّي الفيزياوي، مثلما يحدث عند النوم العميق، أو الحلم،

لكن المذهل هو شعورها بأنّها كيان “رُّوحانِيّ” يسَطَعَ مثل النور في الفضاء.

“الماورائية”

ويُرجع العلماء ذلك، بحسب معطيات التجربة الجديدة، الى ارتباطات وظيفية بين الدماغ والأسس العصبية، حين يشعر الانسان بوجود كيانين من جسد واحد خلال فترة التحفيز الكهربائي للصدغ الأيمن من الدماغ، في تجربة وفّرت بيئة للظاهرة “الماورائية” التي تعطي الإحساس بخروج الروح من الجسد، بواسطة تَأْلِيب مناطق في الدماغ على هذا الانْسِلاَخ التخيّلي.

تَرَصَّدَت التجربة عن كثب، كيف انّ المرأة المتطوّعة فَطِنَت على روحها وهي تنفصل عن جسدها الفيزياوي، وشعرت بنفسها وهي تطوف في فضاء لا متناه، وفي أثناء ذلك تَحَيَّنَت الأجهزة المختبرية عمل الدماغ، وحلّلته في تلك اللحظات الحرِجة والغامضة، عبر مسح ضوئي له في اللحظة التي رأت فيها المرأة نفسها عائمة في الأثير، وهي

لحظة فقدت فيها الشعور بوجودها المَلْمُوس.

«التصور الحركي»

وبحسب خُلاصَة الرنين المغناطسي، فان خلايا القشرة البصرية المسؤولة عن الاتصال الصدغي الجداري في الدماغ تتعطل في تلك اللحظات، في حين حدّد العلماء الجزء من الدماغ المسؤول عن الشعور بالتعويم او “التصور الحركي”، ذات الصلة بالأعصاب الحسية المسؤولة عن تحديد موقعنا في الفراغ، بالإضافة إلى تحديد الإحساس بالضغط والسخونة ودرجة الحرارة، ما يوضّح ميكانيكية ارتباط الجسد بالعالم من حوله.

إنّ الذي يحدث بحسب التحليل الجديد لنتائج التجربة، هو فعالية المدركات الحسية ونشاطها في تلك اللحظات الحرجة التي يُبدي فيها الشخص الخاضع للتجربة استجابات حسية وجسدية معقدة، يشعر فيها بالتَبَدُّد المادي.

لكنّ العلماء يؤكدون أن هذا التخيّل ليس حلماً، او تصورات ذهنية للعقل الباطن كما يحصل في النوم وأحلام اليقظة، حيث يعي الشخص تماماً أنه يحلم، ويمكنه بفعل قوة وعيِهِ، من قلب الحلم الى “خروج من الجسد” أو “إسقاط نجمي”، بل هو إِدْراك معقد لا ينفصل عن الذات والكيان الجسدي، عبر تكامل حسّي في منطقة الجسر الصدغي الجداري.

لكن هذه التجربة تكشف عن بُعد آخر لإحساس الطوفان حول الجسد، طالما ان ذلك له علاقة بالوظائف الدماغية، حيث يقول العلماء إن الشعور بـ”الماورائية” يحدث أيضا بين الناس الذين يعانون من اضطراب في الدماغ، نتيجة تلف جزءٍ معينٍ منه.

لكن في حالة الانسان السوي، الذي لا يعاني من أمراض أو تَشَوُّشات دماغية، فانّ انحرافات صغيرة في الجزء الخلفي من الفص الصدغي، تجعل الإنسان يعايش هذه الظاهرة.

التجربة في حد ذاتها ليست تحدياً للمفاهيم الدينية، بل هي تأكيد لها في حالة معرفة التفاصيل الدقيقة للعلاقة بين الروح والجسد، ومحاولة لتفسير ما ذهب اليه فلاسفة في هذا الصدد.

العودة من الغد

إنّ المشكلة في كل تجارب الاقتراب من الموت انها تجارب “غير روحية” من وجهة نظر الكثير من العلماء، ذلك انّ المريض الذي يخوض التجربة المختبرية، يعرف تماماً انه يخضع متعمداً للتجريب، وبالتالي فان استجابته الجسدية والعقلية والروحية لن تكون تلقائية، فيما ينظر إليها علماء آخرون باعتبارها تجارب روحية تدل على “العالم الماورائي”.

ولم تكن تجربة جامعة أوتاوا، الاولى، ففي العام 1976، تحدث جورج ريتشي في كتاب “العودة من الغد” عن تجربة موت سريري حصلت له في العام 1943 ودامت 6 دقائق.

وفي العام 1988 وثّق العالم الهولندي فان لوميل حالات 344 مريضاً نجوا من الموت، رووا تجارب الاقتراب من الموت، حيث قال 7 بالمئة منهم بأنها كانت تجارب جوهرية شعروا فيها بالتسامي الروحي عن الجسد.

وفي دراسة أخرى قام بها لوميل بين 50 شخصاً ممّن حدثت لهم تجارب مماثلة، فان 30 بالمئة منهم أكدوا رحلتهم الى عالم آخر عبر نفق مظلم ورؤيتهم لأكوان سماوية، بل ان بعضهم روى مقابلته لموتى.

أضِف الى ذلك، فان هناك تجارب عفوية غير مقصودة الحدوث، لأشخاص تعرّضوا لنوبات فقدان الوعي، نتيجة تعرّضهم الى صدمات وحوادث، اكدوا انهم طافوا حول اجسادهم، وانّ روحهم نقلتهم الى متاهات مظلمة تخللتها نقاط ضوء بيضاء، وكان التفسير الغالب ان العقل الباطن هو من يقود الى التفكير بهذه الطريقة، كرد فعل تلقائي للمخاوف من الموت، فيبدو وكأنه يوطّن نفسه على تجرع الحقيقة المؤلمة.

وفي كل الأحوال، فان جهابذة العلم والمعرفة التجريبية يتفقون على أن كل التجارب والدراسات تعجز عن تفسير كنْه الروح، وهي محاولة لا تتعدى كونها بحوثا في “ميكانيك” خروج الروح من الجسد فقط، ليظل السؤال الميتافيزيقي حول الروح أبدياً، طالما ان الحياة والموت، أمران، من شأن الخالق العظيم

المصدر

زر الذهاب إلى الأعلى