أخبار ومقالات

الذوق العام في زمن الفيسبوك

المنار/ غادة حميد
على الرغم من دعوة بعض المختصين لمواقع التواصل الاجتماعي بالعالم الافتراضي الا انني اجدها ليست افتراضية تماما.نجح الكثير من بني البشر وعلى مر العصور بنسج حياتهم ومجتمعاتهم داخل فقاعات، فقاعات ينظرون بها للعوالم الاخرى والتي قد تكون قريبة احيانا بالكثير من العجب والغرابة والاستهجان احيانا. نجح بنو البشر بتصنيف انفسهم على اساس طبقات اجتماعية،اقتصادية، سياسية ودينية و احيانا اخلاقية ينبذون فيها كل من لا ينتمي الى طبقتهم المختارة. نجح البعض منهم ايضا في ترسيخ قيم طبقة ما ومحاولة استنساخها للطبقات الاخرى باعتبارها الاصح وخلقوا شيئا اسمه (الذوق العام) حتى وان انحصر فيها الاختيار الى طبقة ينتمي اليها العدد الاقل من البشر.
في فيسبوك وهو عالم افتراضي يستطيع الانسان التحكم باختيار اصدقاء ينتمون الى فقاعته ويمكنه ايضا متابعة بعض الكتاب والناشطين والصفحات التي تغني على هواه. في فيسبوك ايضا وعلى الرغم من ارادته يمكن ان يطلع على احوال البشر من مجتمعات وثقافات وطبقات اخرى وعلى الرغم من ارادته ايضا تنفجر الفقاعة التي صنعها لنفسه في وجهه وتجبره على التعامل مع الناس دون مقامات.
في هذا الموقف يتعرض الانسان لواحد من اصعب التحديات الاخلاقية التي يمكن ان تواجهه، فهو اما ان يبرهن على سعة صدر وتفهم وانفتاح واما ان يرفض استيعاب الواقع كما هو ويستغل افتراضيته في اخراج اسوأ مافيه لعلمه بصعوبة الوصول اليه اذا ماهو اساء التصرف.
خلال الاسبوع الماضي انتشرت على فيسبوك فديوهات اعراس يصورها مصور من احدى مناطق بغداد التي يدعوها البعض (شعبية) وحتى الان وللامانة لا اعرف الجذور التاريخية لهذ التسميات وكيف تم تصنيفها.
يظهر في الفديوهات العريس واصدقائه وهم يحتفلون بالمناسبة، يرتدي العريس في بعض الفديوهات واصدقاءه ايضا ازياء ملونة وبعضهم قد حصل على تسريحة معينة لا اعرف ربما تكون رائجة بين الشباب هذه الايام ولا اعرف ان كانت تختص ايضا بمجتمعات معينة.
يرقص الشباب على اغان لا احبها شخصيا ولكن الناس اذواق ويبدو ان الجميع ممن يظهرهم الفديو سعداء جدا.
بنظرة سريعة الى التعليقات في هذه الفديوات ستجدون بأن كمية النقد والاستهزاء التي يمنى بها الاشخاص الذين يظهرون فيه مؤلمة جدا.
رغما عن القاريء سيشعر بأن هناك عالمين مختلفين ، عالم يعتقد فيه الناس بأن هؤلاء الشباب هم ( المان) ولا ينتمون الى الشعب العراقي العريق!! وعالم اخر يدافع عنهم بأستماتة كونه ينتمي اليهم.
المضحك في الموضوع ان كلا الفريقين يعيشون في مدينة واحدة، دخلوا ربما مدارس تدرس فيها نفس المناهج، قرؤوا القران ذاته و اكلوا من طحين الحصة ذاتها و لا بد انهم يزورون المراقد معا وكذلك مول المنصور .
المضحك ايضا ان الفرق الجغرافي ربما لا يتعدى (فلكة) ومع ذلك يبدو بأن هناك واد سحيق يفصل العالمين.
المفارقة مع ذلك بأن الفريق المستهجن لهؤلاء الشباب السعداء هو اقلية والمفارقة ايضا بأن هناك انكارا حقيقيا للاغلبية التي يمثلها هؤلاء الشبان في ذوقهم الذي لا يعجب البعض.
البرهان على كلامي بسيط جيدا فبنظرة سريعة على معمار المنازل حديثة الانشاء والموسيقى الرائجة في البلد هذه الايام سنجد بأن السائد هو ذوق المجموعة الاولى.
التحدي الحقيقي الذي اجد نفسي مجبرة على مواجهته هو كيفية التعاطي مع الفئتين، شخصيا لم تعجبني الازياء ولا الموسيقى ولا حتى بعض السلوكيات التي شاهدتها في هذه الفديوهات ولكن هذا لا يعني بالضرورة بأن هناك خطأ ما. لم تعجبني اكثر التعليقات المسيئة التي قرأتها من المنتقدين الذين قد تعجبني اختياراتهم للملابس والموسيقى.
ان عدم تقبل الاخر و الفواصل الهشة التي زرعناها في مجتمعنا كانت ولا زالت احد اهم اسباب تفشي العنف.هي السبب الرئيس الذي ادى الى تغذية الفكر الداعشي في مناطق معينة وبروز مليشيات مسلحة في مناطق اخرى.
الكره لا يولد سوى العنف ونحن نعتقد بأن الكره لا يؤذي ولكنه البداية فقط لكوارث لاتنتهي.
ان القميص الاصفر والبنطال الاحمر لن يؤذيك ولكن ستؤذيك جدا كلمة كره تلفضتها نحو انسان الله وحده يعلم كيف سينفس عن غضبه تجاهها لاحقا.
ان مثل هذه المشاكل المجتمعية لا يقع حلها على الحكومات وحدها، علينا اولا نحن كمجتمع وافراد ان نعترف بوجودها ونعمل بشكل حقيقي على حلها.
حينها وحينها فقط قد نبدأ بالشعور بالامان في اوطاننا.م/ خان_جغان

زر الذهاب إلى الأعلى