أخبار ومقالات

قانون الحماية من العنف الاسري بين مطرقة حماية الحقوق وسندان الموروث الاجتماعي

المنار نيوز /علياء الانصاري

تعاني النساء في العراق من غياب واضح للحقوق اضافة الى ازدياد نسبة العنف القائم على اساس النوع الاجتماعي والذي ترك آثارا وخيمة على واقع النساء بشكل خاص وعلى المجتمع بشكل عام لغياب المرأة عن ممارسة ادوارها او تهميش تلك الادوار في ظل منظومة عرفية قاسية تتحكم فيها سلطة الرجال على مختلف المستويات ابتداءا من الاسرة ومرورا بمؤسسات المجتمع وانتهاءا بالمنظومة التشريعية القانونية التي تمارس التمييز ضد المرأة ولا تحمي حقوقها كفرد.

لذلك انصب جهد الحركة النسوية المدنية العراقية، على جملة من البرامج والانشطة الرامية الى مناهضة العنف ضد النساء، والتي لا يمكن ان تأتي بنتائجها دون وجود مظلة قانونية وتشريعات وطنية تحمي حقوق النساء وتقلل من نسبة تعرضهن للعنف بكل انواعه.

ومن جملة تلك الجهود، ما بذلته جمعية الامل العراقية بالتعاون مع لجنة المرأة والاسرة والطفل النيابية وبدعم من المفوضية السامية لحقوق الانسان ووزارة الخارجية النرويجية، من تقديم مقترح قانون (الحماية من العنف الاسري)، والذي قادت لاجله جملة من الانشطة منها جلستي مناقشة مع البرلمانيين وقضاة ونشطاء مدنيين الاولى كانت في صيف عام 2012 في بيروت، والثانية في تموز 2016 في بيروت ايضا.

وعن هذا القانون تحدثت السيدة رحاب العبوده رئيسة لجنة المرأة والاسرة والطفل النيابية قائلة: (مسودة مشاريع القوانين تاتي من ان الحكومة، وكان دور اللجنة في دراسة القانون واعداد تقرير كرؤية اللجنة عنه وثم اجراء التعديلات، وقراءته قراءة اولى في جلس البرلمان وقد تمت هذه القراءة، حيث بعدها باشرت اللجنة بعقد جلسات الاستماع والندوات وورش العمل مع الجهات المعنية سواء من الحكومة والجهاز التنفيذي او منظمات المجتمع المدني او الجانب القضائي المعني بالقانون بعدها تم عقد اجتماعات للجان المصغرة المشكلة من اللجان المشتركة برئاسة لجنة المرأة والاسرة والطفل، لجنة حقوق الانسان، اللجنة القانونية، ولجنة الاوقاف والشؤون الدينية، وبعد ذلك تم كتابة التعديلات ونحن الان في طور طرح القانون للقراءة الثانية واستلام مقترحات ورؤى اعضاء البرلمان لكتابة النسخة النهائية المعدة للتصويت).

وعن توقعها تصويت البرلمان على القانون من عدمه، اجابت رئيسة لجنة المرأة قائلة: (نحن كلجنة المرأة لم نترك سبيل لاقناع الكتل السياسية واعضاء البرلمان باهمية هذا القانون وحاجة المجتمع له والنقاشات المستفيضة لمواد القانون ومحاولة ايجاد نسخة قانون تلائم جميع افراد المجتمع وتتماشى مع الثقافات المتعددة وأنامل أننا حققنا هذا الهدف بنسبة كبيرة وانا متفائلة جدا بامكانية تمرير القانون وتصويت الاعضاء عليه).

وفي هذا السياق، اعربت المحامية بشرى العبيدي الناشطة المدنية وعضو مفوضية حقوق الانسان عن قلقها من رفض البرلمان للقانون قائلة: (لدي توقع كبير جدا لرفض هذا القانون من قبل النواب لانه غالبيتهم يعتقد ان هذا القانون هو فقط لحماية المرأة ولتقويتها على الرجل وتفكيك الاسرة وما الى ذلك من التصورات المنبثقة عن العقلية الذكورية التي تسيطر على الغالبية، في حين ان هذا القانون هو حماية لجميع افراد الاسرة وبالتالي هو لحماية المجتمع والتقليل من مظاهر العنف)، وقد اكدت العبيدي على اهمية القانون قائلة: (هذا القانون لحماية الاسرة من مظاهر وسلوكيات العنف الممارسة والتي اصبحت في الاونة الاخيرة ظاهرة خطرة في المجتمع العراقي وتمارس من قبل افراد الاسرة الواحدة بعضهم ضد البعض الاخر مما يوتر العلاقات ويعرض الافراد للخطر وقد تمتد اثار هذا العنف الى المجتمع).

وعن المعوقات التي قد تواجه تطبيق هذا القانون في حالة التصويت عليه ونفاذه، تحدثت  الهام مكي باحثة وناشطة مدنية، عضو جميعة الامل العراقية قائلة: من اهم العوائق التي سوف تواجه تطبيق هذا القانون هو الموروث الثقافي الذي يعطي للرجل السلطة المطلقة والتحكم بمقدرات الاسرة وحياة افرادها، ورغم ان العلاقات الابوية السلطوية داخل الاسرة المبررة ثقافيا هي مصدر كل اشكال العنف والاكراه، الا انها محمية بحجة الخصوصية واي محاولة لمنع اشكال العنف ضد النساء والاطفال (الفئات الاضعف) سوف يهدد سلطة الرجل داخل الاسرة وامتيازاته الذكورية، ومن المعوقات ايضا ضعف الوعي والثقافة القانونية داخل المجتمع العراقي يجعل من الصعب على الفئات المتضررة وضحايا العنف من الاستفادة من اجراءات الحماية من العنف داخل الاسرة المتضمنة في قانون الحماية من العنف الاسري. كذلك ضعف الوعي وسيطرة المفاهيم الابوية الذكورية على ذهنية عناصر مؤسسات إنفاذ القانون مما يؤثر سلبا على تطبيق القانون. وعلى الرغم من ان القانون لا يتضمن جانب بالزام الدولة على تحديد تخصيصات مالية، الا ان تنفيذ القانون يواجه صعوبة في استحداث مراكز الايواء الامنة بحسب حاجة كل المحافظات في العراق وحسب عدد السكان، فهل يكفي مركزين للايواء في بغداد مثلا؟! سوف تؤثر الازمة المالية التي تمر بها الحكومة العراقية على هذا الجانب. كما ان هناك حاجة كبيرة لتأهيل الباحثين العاملين في وحدات البحث الاجتماعي بحسب المفاهيم الحديثة في حل النزاع وادارة الحالة وانواع واشكال العنف القائم على اساس النوع الاجتماعي”

 وعن أحتياج المجتمع لهذا القانون، تحدثت الصحفية منار عبد الامير مدربة دولية في قضايا المرأة والعنف الاسري قائلة: ان تنظيم الأسرة في العراق يحتاج إلى قانون يتوافق مع مبادئ حقوق الإنسان  ويقضي  على الانتهاكات  الكثيرة التي تتعرض لها المرأة والطفل بشكل خاص كونهم الشرائح الأكثر ضعفا بفعل الموروث  الاجتماعي  البائس الذي ينظر لهذه الشريحة على أنها خلقت للخدمة والعبودية بدليل تفاقم مشاكل العنف الأسري التي بدأت تظهر  على الساحة وتعلن المرأة عنها عبر مراكز الحماية من العنف الأسري تلك المراكز التي تخلو من اي خصوصية ولاتوفر  حماية للمرأة كونها تفتقر للاليات  الصحيحة  وقانون خاص بالأسرة إضافة آلى أن أفرادها هم من منتسبي الشرطة فقط ولكن بلباس مدني وايضا عدم وجود إماكن إيواء المعنفات  أجبر الكثير من الضحايا على الرضوخ للزوج أو الاهل المعنفين  وهذا مايحصل في أغلب المراكز, وللأسف فإن أغلب المشاكل بين الزوج وزوجته تنتهي بالطلاق كون إجراءات استقدام الازواج لهذه المراكز مهينة وتعاملهم كمعاملة  المتهمين  إضافة إلى انتزاع خصوصيتهم  الأسرية خاصة في المحكمة”

وتابعت الزبيدي ان تشريع القانون مهم لأنه يكفل حق المرأة في الحماية من خلال دور الإيواء وايضا الحفاظ على خصوصية الأسرة وبالتالي فإنه يكفل حماية الأسرة والحفاظ عليها من التفكك الاسري

وعن رأيها في امكانية تصويت البرلمان على هذا القانون، اكدت عبد الامير قلقها قائلة: أنا اشك بتشريعه في وقت قريب كونه أخذ وقتا طويلا جدا وللأسف فإن هناك من ينظر إليه من النواب  على أنه إنجاز لجهة معينة أو لحزب معين فلا يتعاونون  بهذا الاتجاه كما أن هناك  مخاوف من بعض النواب في أن يتسبب القانون  بتفكيك الأسرة وصعوبة السيطرة على أفرادها وايضا رفض مجتمعي لدور الإيواء وهذا طبعا فكر غير صحيح فيما لو تم تطبيق القانون  بشكل دقيق وعمل عليه أشخاص ذوي خبرة، ومع هذا فهناك امكانية لاقراره فيما اذا كانت هناك مطالب جماهيرية من خلال حملات المناصرة وجهود منظمات المجتمع المدني حتى يكون ضغط على إقراره ولكن قبل ذلك لابد أن يعرف الناس  أهمية القانون بالنسبة لهم فهو غامض إلى الكثير ولايعرفون  مدى أهميته للحفاظ  على  الأمن  والاستقرار الاسري”

فيما أكد الناشط المدني صفاء الزبيدي أهمية هذا القانون قائلا: سيتم التصويت عليه من قبل البرلمان ولكن ليس بالقريب وذلك لوجود أعتراضات على الكثير من نصوصه ويجب معالجتها، ونحن بحاجة ماسة لمثل هذا القانون كونه يعالج الثغرات بالامن العائلي حيث ان هذا القانون لو نظر اليه من ناحية مجتمعية لوجد انه مفيد بالنسبة لغيره من القوانين كون قانون العنف الاسري قانون ذا اهمية بالغة لانتشار ثقافة العنف والتوسع في حالاته ولكثرة الصراعات والتناحرات التي اخذت تنعكس على واقع الاسرة كذلك المحاكم العراقية تشهد استقبال عدد كبير من حالات العنف اليومي، ولو دققنا اكثر لوجدنا العنف اصبح موجودا لدى الاطفال في عمر 9 – 10 سنوات وهذه محاذير خطرة لها تأثيراتها على المجتمع،ولذلك اصبحت هناك ضرورة  ملحة لسن قانون ضد العنف الاسري يحتوي على عقوبات رادعة مع ملاحظة ان 70 – 80 بالمئة من حالات العنف السري تنتهي بسن القانون ووجود عقوبات رادعة لان اغلبهم يدركون وجود عقوبات بحقهم.

و نوه الاعلامي محمد الشمري الى ان تشريع هذا القانون غير كافي ضمن الفوضى التي تعيشها البلاد حيث شرعت العديد من القوانين دون تطبيق فعلي لها، وعن اهمية هذا القانون للمجتمع اكد الشمري قائلا: (هناك حاجة ملحة لهذا القانون لكن نحن نحتاج الى قانون ينظم ضمائرنا اولا، فيا ترى هل هذا القانون يستطيع ترويض الاخلاق الاسرية ان لم تكن هنالك ضمائر حية)؟!

وعن هذه الجهود التي بدات منذ عام 2010 عندما بدأت كتابة المشروع في أروقة وزارة شؤون المرأة وما استتبعه من ورش وجلسات رأي حوله حتى تم الانتهاء من كتابة صيغته النهائية في تموز 2012 في بيروت في ورشة جمعت ذوي الاختصاص من لجنة المرأة النيابية ووزارة المرأة وقضاة ونشطاء مدنيين وانتهاءا بالورشة الاخيرة التي عقدت في بيروت ايضا في تموز 2016 والتي نوقشت فيها التعديلات الاخيرة للقانون ليعرض على البرلمان للقراءة الثانية، تحدتث الناشطة المدنية هناء ادور سكرتير جمعية الامل العراقية قائلة:  ان هذا القانون سيكون المصد الحقيقي للعنف الأسري، الذي يرتكب من قبل أحد أفراد الأسرة ضد فرد أخر حتى الدرجة الرابعة، وغالباً ما تكون النساء والأطفال هم الضحايا لمثل هذه الممارسات التي تشكل جريمة مستترة. ويتضمن مشروع القانون آليات لحماية الضحايا مثل إنشاء المراكز الآمنة وتقديم الرعاية اللازمة لهم وتأهيلهم، ومعاقبة مرتكبي هذه الجرائم، كما ان من شأن خطوات اخرى كالتوعية التي من الممكن ان يقوم بها الاعلام ومنظمات المجتمع المدني وجهات أخرى ان تحد كثيرا من ظاهرة العنف الأسري التي تصاعدت حدتها إلى مستويات لا يمكن السكوت عليها.

وعن الورشة الاخيرة التي عقدت مؤخرا في بيروت، اشارت ادور الى: بدا واضحا ومنذ الدقائق الأولى ان الورشة ستشهد نقاشاً مثمراً، عندما طرح مقترح تعديل اسم القانون من (حماية) إلى (مناهضة)، وتمت مناقشة مواد القانون المقترح مادة مادة، واخذت بعض المواد وقتا طويلا للوصول إلى صيغة ترضي الجميع، وكان للقاضيين المختصيين ثقل واضح في توضيح وحسم اعادة صياغة المواد، وظهر بوضوح ان للعديد من اعضاء مجلس النواب المشاركين خلفية قانونية رصينة واختصاصات عالية في القانون. ولا شك ان النقاشات التي دارت في هذه الورشة، والقناعات التي توصل اليها أعضاء مجلس النواب ستساعد بتحويل مشروع القانون إلى قانون عندما يعرض على البرلمان للتصويت بعد اكمال قراءته الثانية، على أن يصاحب ذلك لقاءات وحوارات أخرى مع رؤساء الكتل حول أهمية هذا القانون في حماية الأسرة ومعافاة المجتمع من سلوكيات عنفية وعادات اجتماعية مهينة لكرامة الإنسان.

مازال النقاش يحتدم بين اهمية هذا القانون وامكانية تطبيقه على أرض الواقع في ظل معيطات ثقافية وموروث اجتماعي عشائري يعتقد بان الاسرة، لها خصوصية لا يمكن الاقتراب منها او المساس بها وان السلطة الذكورية فيها دوما على حق ومبرر لها كل ما تمارسه من عنف وقساوة سواء من قبل القانون او المجتمع.

ويبقى السؤال قائما في ظل هذه الفوضى العائمة من حولنا: كيف يمكن إنقاذ الاسرة العراقية من مظاهر العنف؟! وكيف يمكن ان نوازن بين حماية الافراد وحماية الاسرة معا؟!

 

زر الذهاب إلى الأعلى