قصص وتقارير

عراقيات وجدن فرصهنَّ في فيسبوك

المنار/ منار الزبيدي

أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي متنفسا لبعض النساء العربيات اللاتي يعشن في المجتمعات التقليدية المنغلقة، حيث تمكنهن من الانفتاح على العالم من خلال ربط علاقات داخل البلاد وخارجها، ففي محافظة الديوانية العراقية لجأت شابات مثقفات إلى الفيسبوك للتواصل والبحث عن شغل يبدأ من البيت أو عريس عن طريق معارفهن الافتراضية.

قبل اشتراكها في تلك الغروبات النسوية اعتبرت قطر الندى (25 عاما) نفسها رقما آخر يضاف إلى خريجات الجامعات العاطلات عن العمل، إذ عاشت الوحدة والضجر مع أسرة كبيرة ومحافظة تحسب عليها أنفاسها.

تستذكر قطر الندى أيام الدراسة الجامعية الجميلة قائلة “كنت استمتع جدا خلال أيام دراستي مع صديقاتي وزملائي، وتراودنا أحلام بالعمل والحياة، لكني أصبحت حبيسة البيت أعاني الوحدة والملل بعد تخرجي، حيث تستحيل فرص العمل، كما أن أسرتي لم تسمح لي بلقاء صديقاتي خارج البيت، حتى شعرت بأني معزولة عن العالم، إلى أن وجدت متنفسا لي عبر الغروبات المغلقة في الفيسبوك”.

الفراغ والضجر والوحدة لا تقاسيها قطر الندى وحدها بل هو حال الكثير من النساء والفتيات وربات البيوت وخريجات الجامعات والمعاهد والموظفات، اللواتي يعشن المعاناة نفسها، فالطابع العشائري والديني المحافظ لمجتمع الديوانية وافتقار المدينة إلى النوادي الخاصة بالمرأة يلقيان بظلال قاتمة على حياتهن.

تسكن دلال كامل (35 عاما)، وهي ربة بيت تخرجت من معهد المعلمات، في قضاء الشامية، وهي تشغل وقتها بالأعمال المنزلية لكنها تجد فائضا من الوقت فتقضيه على الفيسبوك وتقول “غالبا ما يخرج زوجي مساء للترفيه عن نفسه حتى لو كان مرهقا، فهو يرتاد المقهى ليلا واللقاء بأصدقائه، بينما أبقى أنا حبيسة البيت مهما بلغت بي المشقة والملل”.

وتتساءل دلال عن المانع من وجود نواد وملتقيات ثقافية ترفيهية تخصص للنساء، وقد سمعت عن مشروع وزارة الشباب والرياضة الخاص بإنشاء منتدى رياضي نسوي، لكنها لا تعلم مدى فاعليته في حال اكتمل بناؤه المتلكئ، غير أنها اكتشفت العالم كما تقول عندما أضافتها شقيقتها إلى الغروبات النسوية الخاصة، وتضيف “ساعدني ذلك في التواصل اجتماعيا مع الخارج فشعرت بأني اكتشف العالم كل يوم وأدرك عمق عزلتي، كما بدأت أطلع على فنون الطبخ والديكورات المختلفة التي أحبها”.

الغروبات النسوية تساهم في التوعية الصحية بالأمراض الخطيرة والمعدية مع تقديم الاستشارات الطبية للنساء من قبل طبيبات مختصات

وفي مقابل الترفيه واكتشاف العالم أتاحت غروبات الفيسبوك فرصة لنهروان منعم وصفتها بالنادرة. ففي مجتمع يشهد هيمنة الرجال على سوق العمل وارتفاع معدلات إيجار المحال انعدمت فرص نهروان وأمثالها ممن يملكن المهارات اللازمة في المنافسة، إلا أن الغروبات النسوية عبر الفيسبوك فتحت أبوابا جديدة لهن.

تجيد منعم (30 عاما) تصميم الأزياء وخياطة الموديلات الحديثة، لكنها لم تتمكن من فتح محل تجاري في السوق لبيع منتجاتها، لكن الغروبات فتحت لها الباب لتصريف البضائع. وتقول حول ذلك “أتاح لي الفيسبوك الترويج لتصاميمي من الفساتين والجلابيات والعباءات فازداد الطلب على بضاعتي. كما بدأت أتعامل مع بعض المحال التجارية بواسطة زوجة أحد أصحاب المحال التي هي عضو معنا في الغروب، اليوم أملك مشغلا يدر علي المال وأمارس هوايتي في التصميم والخياطة”.

معدل الأرباح ليس ثابتا، وقد يصل إلى 600 دولار شهريا، وهو مبلغ جيد مقارنة بمتطلبات المعيشة، لكن نجاح غروبات المغلقة لم يقتصر على نساء الديوانية بل ضمت الشبكة نساء من محافظات مجاورة.

وزاد عدد غروب “مطبخ الديوانية” النسوي على عشرة آلاف مشتركة، تقول أم علي مسؤولة الغروب “نظرا لتعدد حاجات النساء وبسبب ظروفهن الاجتماعية القاهرة التي لا تمكنهن من الاطلاع على ما يدور حولهن من تطورات في فنون الطبخ والأزياء والتسوق وحاجتهن إلى التسلية والترفيه، جاءت فكرة إنشاء غروب نسوي”.

نجاح الفكرة شجع النساء في المحافظات الأخرى على الانضمام إلى الغروب أو إنشاء غروبات نسوية مشابهة.

أم علي تضيف قائلة إن “أجمل ما يميز هذه الغروبات هو التنوع المجتمعي والثقافي للنساء المشتركات ما أسهم في تبادل الآراء وتقديم الاستشارات، كما استثمرت مهارات النساء المهجورة لتتحول إلى وسيلة عمل مثل الحرف والصناعات اليدوية سواء الغذائية أو المنزلية، فضلا عن الترويج لحرف وأعمال أزواجهن وأقاربهن”.

وبسبب انتشارها السريع أصبحت الغروبات وسيلة مجانية لترويج مختلف البضائع وبيعها وتبادلها حتى أنها أسهمت في افتتاح معارض البيع المباشر لمنتجات محلية نسوية تحت رعاية اتحاد نساء الأعمال في الديوانية.

تقول شهلاء قاسم (50 عاما)، وهي صاحبة صالون تجميل، إن “مواقع التواصل الاجتماعي وفرت لأعمالنا ترويجا مجانيا عجزت الصحف والإذاعات المحلية عن تقديمه مقابل ثمن، وذلك بسبب عدد الأعضاء النساء الكبير داخل الغروبات وتفاعلهن السريع عبر صفحاتهن الشخصية، حيث يجري الترويج لكل شيء مفيد؛ الماكياج المستورد والبضائع والأثاث الجديدة والمستعملة”.

بينما تعدت الغروبات النسوية دورها كوسيلة للتواصل الاجتماعي والتسوق والترفيه والبيع والشراء إلى نشر الأخبار والتوعية الصحية بالأمراض الخطيرة والمعدية مع تقديم الاستشارات الطبية للنساء من قبل طبيبات مختصات.

والمفارقة أن الغروبات المغلقة أتاحت فرص الزواج لبعض المشتركات بأشقاء أعضاء أخريات من خلال التعارف العائلي، خاصة أولئك اللواتي يعملن في غروبات في خياطة الملابس والحرف اليدوية ودروس التقوية.

تؤكد زهرة النرجس مسؤولة أحد غروبات الفيسبوك التي كانت لها مساهمة فعالة في إتمام بعض الزيجات، أن الزيجات جرت وفق اشتراطات مجتمعنا المحافظ، وتؤكد أن “الغروبات تخضع لشروط صارمة كاحترام الرأي والتشجيع والتفاعل”.

زر الذهاب إلى الأعلى