قصص وتقارير

ممارسات وضغوطات غير مشروعة ضد المتظاهرات في الديوانية

المنار /منار الزبيدي

برغم طابعها العشائري المحافظ، فإن الديوانية شهدت مشاركة نسوية، متميزة خلال مظاهرات الإصلاح التي ضجت بها أغلب المحافظات العراقية، إلا أن تلك المشاركة، سرعان ما ذابت وسط عاصفة التشهير والتهديد التي انطلقت ضدها

عقوبات وظيفية

شيماء العميدي – 37 عاما – موظفة – من أبرز القيادات النسوية  المشاركة في تظاهرات الديوانية، التي انطلقت  منذ آب 2015,واستمرت العميدي في خروجها حتى الان و في كل جمعة ال جانب الرجال في ساحات التظاهرات وهي تواجه بصبرها وعنادها جميع التحديات والضغوطات التي تعرضت لها.

تقول العميدي للمنار أن “الكثيرات من نساء الديوانية حاولن التمرد على الطابع الاجتماعي السائد الذي غيّب المرأة عن المشاركة في التظاهرات وكانت لهن بصمة واضحة خلال الأسابيع الأولى من الحراك الشعبي المدني.

لكن الثورة النسوية سرعان ما بدأت بالانحسار لعدة أسباب أبرزها العقوبات الإدارية وتهم التشهير و التسقيط ,توضح العميدي “أنا شخصياً تلقيت عقوبتين وظيفيتين من دائرتي الحكومية بدون وجه حق، كما اتهمني احد المسؤولين الحكوميين  بتهمة “التحريض” وهي وسائل  ضغط لردع المتظاهرات، بينما انشأ البعض مواقع فيس بوك وهمية لشن حملة تسقيط وتشهير ضد ابرز المشاركين بالتظاهرات وكنت من ضمنهم.”

تهديدات واعتداءات على الممتلكات

لا تواجه شيماء العميدي وحدها المضايقات بل هو حال النساء اللواتي شاركن في التظاهرات، سواء كن موظفات ام ربات بيوت.

تعرضت الناشطة النسوية سلامة الصكبان -45عاما، موظفة في دائرة التقاعد والضمان الاجتماعي- إلى تهديد واضح بعدما شاركت في التظاهرات وحثت الآخرين عبر موقعها الشخصي في الفيسبوك، وهو ما أرغمها على العزوف عن التظاهر حفاظا على حياتها وحياة اسرتها.

تبين الصكبان ” بعد مشاركتي الأخيرة في التظاهرات لاحظت وجود بعض المندسين بيننا وهم شخصيات نعرفها جيدا باعتبارها تنتمي لأحزاب وجهات سياسية،  استغلوا التظاهرات لأغراض سياسية، كالترويج لأحزابهم أو مهاجمة خصومهم.

وفي صباح اليوم التالي، استيقظت لأجد زجاج سيارتي الأمامية مهشما تماما بعدما ركنتها في المكان المعتاد، وبرغم ان الشارع مليء بالسيارات استهدفت سيارتي فقط.” وتواصل ” مع ذلك بقيت مصرّة على الخروج للتظاهر، لكن زوجي منعني من ذلك حفاظا على حياتي وأسرتي.”

تلك الحملات والشعور بعدم توفر الحماية لهن دفعت بعائلات المتظاهرات للضغط عليهن للتراجع عن المشاركة في الاحتجاجات. كما دفع الحماس والرغبة بالإصلاح بعض المتظاهرات للخروج مع بناتهن في الأسابيع الأولى ، إلا أن سحب المخاوف بدأت بالتجمع.

الاتهام بالانضمام الى حزب البعث

تقول د.علياء البدري وقد عملت مدير عام دائرة صحة الديوانية سابقاً”  إنها كانت مندفعة جدا في الأسابيع الأولى للتظاهرات وتتوق لموعد التجمهر في كل يوم جمعة حتى إنها بدأت بالتحشيد لذلك  بين زميلاتها وتضيف ” كنت  اخرج للتظاهر مع بناتي، حتى أدركت مستوى التعامل السيء من قبل الجهات الفاسدة التي استخدمت أساليب رخيصة لمهاجمة المتظاهرين، وكوني امرأة خشيت عواقب ذلك، فتوقفت عن المشاركة خوفا على نفسي وبناتي، فقد يتعرضن للإيذاء وأنا واثقة أن لا احد سيقف بجانبي: لا المجتمع ولا المؤسسة التي أعمل فيها،  كما أن تهما جاهزة  ألصقت بالمتظاهرات منها أنهن “بعثيّات”

البدري  التي أرغمت على التخلي عن منصبها السابق كمديرة صحة الديوانية بعد 2003، تشعر بصعوبة التصدي للجهات الحزبية النافذة .

ولردع المتظاهرات، استخدمت بعض الجهات الحكومية سياسة العقوبات الوظيفية والإدارية والإقصاء.

توضح الموظفة (س,ر) 35 عاما  أن وتيرة الضغوط  الإدارية زادت مع تصاعد التظاهرات ” بدأت المضايقات خلال الدوام وعمم علينا كتاب رسمي يحذّر الموظفين من المشاركة بالتظاهرات، وقد جرى التلويح لبعض الموظفات بالنقل إلى المناطق النائية، وبالفعل نقلت البعض ممن لم ينصعن للضغوط  كما هددت  أخريات من خلال أدراج أسمائهن ضمن قوائم الأمن الوطني، وهو ما أخافهن  وزاد في ذلك موقف أسرهن السلبي، حيث ارغمن على عدم معاودة التظاهر وكنت احداهن.”

المس من السمعة والتهديد بالطلاق

وسائل ( رخيصة) كما وصفتها المتظاهرات استخدمتها الجهات الحزبية والحكومية المناوئة لهن، لكنها بالمقابل كادت أن تنسف حياتهن، اذ جرى التشهير بسمعة بعض المتظاهرات عبر صفحات التواصل الاجتماعي وإلصاق التهم بهن والتلاعب بصورهن، حيث  نشرت صورهن واتهموهن بقضايا فساد، فيما أشيع ان هناك صفحات ستتبنى قضية نشر مثل تلك الصور غير اللائقة، كما دفعت أعمال الشغب الأخيرة التي رافقت التظاهرات الأخيرة والتصادم مع قوات الأمن إلى  انسحاب الكثيرات .

من جهتها، ترى الباحثة الاجتماعية، ابتسام العوادي أسبابا أخرى غير معلنة، فهي ترى أن هناك عوارض اجتماعية أبعدت الكثير من النساء المتحمسات عن الانخراط في الاحتجاجات، ” انزوت النساء بسبب خوفهن من مزاحمة الرجال في أماكن عامة وتعرضهن للتحرش، إضافة  إلى عدم قناعة قسم كبير من الرجال بدور المرأة في الحياة بشكل عام، فأغلب التشجيع الذي يصدر من الرجال حول مساهمة النساء هو  بالظاهر فقط، فبعض النساء اللواتي أردن المشاركة بالتظاهرات هددن من قبل أزواجهن بالطلاق!”

لم تكسر التظاهرات النسق الاجتماعي والديني المفروض على النساء، فكثير من الناشطين لا يحبذون أن ترافقهم نساؤهم. ولعل من المفارقة أن النساء اللواتي لديهن فسحة من التحرك والتعبير عن آرائهن هن زوجات لرجال السلطة في المحافظة والمفاصل الحكومية الأخرى وهو ما يجعل مشاركتهن بالتظاهرات مستحيلة.

يقول المتظاهر حجي عبد الامير – 45 عاما – ان مشاركة النساء في الديوانية اقل مما في بعض المحافظات العراقية خاصة بغداد، وهو يتظاهر وحده مبررا عدم مشاركة زوجته وبناته بأنه لا لزوم لذلك” أنا طالع بدلا عنهن ما دامت مطالبنا واحدة!”

لم يبق في دوامة المتظاهرين سوى عدد قليل من النساء اللواتي تميزن بعنادهن وإصرارهن . تقول شيماء العميدي ” سأستمر في الخروج بالتظاهرات، مطالبة بالإصلاح والتغيير حتى لو بقيت وحدي، ولن توقفني الضغوطات الوظيفية والتأثيرات الأخرى لأني أؤمن بقضيتنا.”

 

زر الذهاب إلى الأعلى