قصص وتقارير

سماء الامير : أنا وردة ، ولن أحرمَ العالم من عطري !

المنار /ضحى الخفاجي

سماء الامير : أنا وردة ، ولن أحرمَ العالم من عطري !قالت سماء لأمها ذات مرة : أنا حزينة لأنني لا أمشي .. مللت أنني جامدة في مكاني .. لن أرسم .. لا أريد شيئا غير المشي .
قالت الأم : بإمكانك أن تمشي بأفكارك عبر الرسم ، وقد خلقكِ الله وردة ثابتة في الأرض .. فلماذا تحرمين العالم من عطرك ؟
قالت سماء : صحيح كلامك ياماما.
سألتها الأم : إذن ، ماعطرك أيتها الوردة المتفتحة دائما ؟
أجابت سماء قائلة : الرسم والإرادة والنجاح . أنا عندي كوكتيل أحلام اتمنى أن أحققها.


الطفلة العراقية سماء الامير .. ولدت في 12 آب 2003 بمرض انقطاع النخاع الشوكي في منطقة الظهر، تسبب في إصابتها بالشلل ، وصعود ماء يتجمع في ظهرها الى رأسها ، الامر الذي تطلب ، وهي بعمر ثلاثة أشهر، إجراء عملية زرع صمامين أحدهما في رأسها والثاني في معدتها يربط بينهما أنبوب تحت الجلد ،. كانت صغيرة لاتفهم بعد ماهي عليه . بعد كم سنة وضعت يدها على رأسها فوجدت بروزاً فيه ، كما لاحظت وجود خط بارز ممتد على رقبتها وصدرها ، فاستفسرت من أمها عنهما ، وشرحت الأم لها الموضوع وطلبت منها أن لا تلمس الصمام والأنبوب نهائيا.
شعرت سماء بأنها إنسان آلي يعيش بآلات محفوظة في جسده . ليت الطبيب يستطيع أن يربط في ساقها وقدمها آلة تجعلها تمشي . لم تستطع الجلوس كالآخرين لعدم مقدرتها على إسناد ظهرها وكانت أنفاسها تتقطع حين تحاول أمها إجلاسي ، لهذا أصبحت تجلس بالمعكوس .. ولم يجد أبوها وأمها كرسيا متحركا يناسب ظهرها ووضع قدميها ، ولهذا تستخدم العربة . لكن الأب والأم مازالا يبحثان عن كرسي متحرك مناسب يختلف عن الكراسي المتوفرة في السوق .
في عمر السابعة صحبها أبوها وأمها للتسجيل في مدرسة ذوي الاحتياجات الخاصة وكانت سعيدة بذلك ، لكن المديرة هناك قالت إن حالة سماء الصحية لاتسمح لها بالمكوث للدرس على مدى ساعات الدوام اليومي ، فسماء تجلس متكئة على يديها وتتقطع أنفاسها بسرعة . فقررت أمها تعليمها في البيت . علمتها الحروف أولاً ، ثم التهجي .. وكانت تسمع بنت وابن خالتها وهما يذاكران فتكتسب من قراءتهما بعض المعلومات .. وتتابع البرامج العلمية المخصصة للأطفال وتكتسب منها الكثير من المعلومات .. ذات مرة رأت سماء في احد البرامج زهرة دوار الشمس تتحرك .. فسألت أمها عن سبب دوران الزهرة ؟ قالت لها الأم إن هذه الزهرة تتجه بإتجاه الشمس ..أينما تكون الشمس تدور الزهرة نحوها .. قالت لها سماء بسرعة بديهية : مثلي ، أينما تذهبين ياماما أذهب وراءك .
تقول سماء :
ـ ( ماما هي الصحفية أسماء محمد مصطفى …. هي قدوتي ومعلمتي ، وهي أكثر إنسان يتحملني . أحيانا حين كانت تعود من العمل أزعجها بنكدي .. مرة سألتني .. لماذا أقابل حبها ورعايتها بهذا الشكل ؟ قلت لها.. لأنّ لا أحد يتحملني مثلك ..
وذات مرة قلت لها إنني أريدها أن تكون قريبة جدا الى درجة أن يلصقونا معا .. أحضرت أمي رباطاً وربطتني بها فكدت اختنق . قلت لها اطلقيني .. فتحت الرباط وقالت لي هل فهمت إن الالتصاق يسبب الاختناق .. وإننا يجب أن لانبالغ ) .
وتضيف سماء الى كلامها قائلة :
ـ ( لم تضغط أمي عليّ بالدراسة بل كانت تدرسني بشكل خفيف ، لأنني كنت اتعرض لنكسة صحية كل شهر ، وآخر مرة دخلت في شبه غيبوبة لنحو 7 أشهر ، ولم آكل لمدة أسبوع .. تصور الآخرون أنني سأموت .. إلاّ أمي كانت واثقة أنني سأعيش .. وبالفعل أنقذني طبيب ماهر لأنه استطاع تشخيص حالتي بدقة وأعطاني الدواء المناسب الذي شفاني بين ليلة وضحاها بينما لم تفدني الأدوية التي وصفها أطباء آخرون . بعد استعادتي صحتي ، بدأنا الدروس من جديد وأيضا على نحو خفيف لأنني أتعب بسرعة .. علمتني أمي الطباعة على الحاسوب لأن الطباعة لاتتعبني مثل الكتابة بالقلم . تعلمت الرسم بالحاسوب وتفاجأ أهلي بما رسمت وكيف تعلمت الرسم بنفسي ..
أبي يحبني كثيرا ولايقبل أن ينتقدني أحد او ينهرني .
جدتي أم أمي ، أحبها كثيرا واحترمها ، اعتنت بي حين كانت تذهب أمي الى عملها ..
لكن أمي هي أقرب الناس لي .. تترك كل شيء من أجلي .. حتى نفسها وطموحاتها تؤجلها وتعتني بي . عندها كتب تريد استكمالها لطباعتها ، أجلتها من اجل الاعتناء بي .. تذهب الى السوق وتشتري الأوراق والألوان والكتب والكثير من الهدايا وبابا يساعدها أحيانا في التسوق من شارع المتنبي ، رأيتها تسهر لصيانة إطارات لوحاتي بنفسها .. تركض في كل إتجاه كي تجهز لي مستلزمات معارضي .. وتعطيني دروسا في التثقيف .. وكثيرا ما أسألها عن أمور الحياة فتجيبني .. وحين أريد أن أرسم تحضر لي مستلزمات الرسم وتجلس معي تراقب ماذا أرسم وتطلب مني أن أصحح إذا أخطأت .. وأن أكمل اللوحة اذا ماوجدتني اتكاسل عن إكمالها .. وكانت هي تجمع رسومي وتحفظها في الخزانة ، حتى جاء عام 2016 وأخرجت لي الرسوم وقالت إنها ستعرضها في معرض تنظمه دائرتها .. دار الكتب والوثائق .. ونجح المعرض ، وعنوانه ” عالم أحلامي يتحدى ألم الواقع ” ولكنني لم أحضره بسبب وضعي الصحي ) .
ولأنّ أم سماء تتكلم مع ابنتها بلغة حلوة مليئة باللطف والتفاؤل والنظرة المشرقة للحياة بهدف التغلب على المصاعب والتعامل بواقعية مع الأحداث والأمور ، أصبحت سماء ترد عليها بكلام حلو .. وشيئا فشيئا انتبهت الأم الى أن ابنتها تقول كلاما جميلا يستحق التوثيق . فأخذت تسجل كل ما تقوله سماء باللهجة العراقية من كلام يعجبها ، ثم تطلب الأم منها أن تحوله الى اللغة العربية الفصحى .. وهذه كانت طريقة تعليم الأم لابنتها.. حتى أنها أحيانا تطلب من ابنتها تحويل الكلام الى رسم .
تقول سماء :
( في عام 2017 كان المعرض الثاني لي في دار الكتب والوثائق ، وعنوانه ” نوافذ جمالية لعالم أحلامي ” وتضمن الرسم والتعبيرات التي خزنتها أمي لي . في ليلة قبل الافتتاح شعرت بالخوف من مقابلة الناس لأنني كنت خجولة ولم أحتك بالناس خارج عائلتي لكن أمي قالت لي إن كل شيء سيكون بخير وعليّ أن لاأخشى شيئا وإنني قادرة على اظهار أفكاري وشخصيتي الجميلة الى الناس كما أنا في البيت .
نجح المعرض وكتبت عني الصحافة .. وعرضت أمي عليّ ، في نهاية سنة 2017 ، فكرة إنشاء شبكة لدعم المواهب اسمها الحياة لوحة رسم ، قالت لي إنني ملهمتها ، ووافقت على مقترحها وأصبحنا فريقا يحمل اسم ( سماء أسماء ) ونفذت أمي الشبكة واستقطبت الموهوبين ، وكنت اتابع وأسألها .. الى أين وصل المشروع .. وكانت النتيجة إقامة المعرض الاول للشبكة والثالث لي في شباط 2018 .. المعرض الثالي وهو بعنوان .. أعيد تدوير نفسي .. أي اتحول من فتاة حزينة الى فتاة سعيدة منطلقة للحياة .
ارتفعت معنوياتي خلال المعرض ، لمستُ حب الناس لي ، وقررت أن استمر بإقامة المعارض واتعلم أكثر ، ولهذا أقامت ماما لي معرضا رابعا في دار ثقافة الأطفال / وزارة الثقافة وحمل أيضا عنوان ( أعيد تدوير نفسي) ، ومثلما تقول لي ماما كل شيء سيكون بخير مادمنا نملك الإرادة .. وهي دائما تقول لي حين تجدني قلقة من المستقبل.. دعي المستقبل حتى يجيء ، الآن عيشي اللحظة .. لاتفرطي بها .. وحين يأتي المستقبل سيكون بخير .. وحتى لو أنّ فيه مشكلة سنجد لها حلاً .. لاداعٍ لنقلق او نفكر به مرتين .. مرة الآن ومرة غداً) ..
وتختتم سماء كلامها قائلة :
ـ (هذه خلاصة قصتي التي سردتها باللهجة العامية لماما وهي حولتها هذه المرة الى اللغة الفصحى .. وللعلم ماما كل كلام أقوله بالعامية تسجله وتطلب مني أن أحوله الى الفصحى ، وهي طريقتها في تعليمي كما قلت لكم . شكرا ماما لأنك تحبينني . وأنا دائما أصمم بطاقات تهنئة وأكتب عليها إنها لأمي ..
قصتي فيها ماما دائما فهي تخزن كل ماأقوله وتذكرني به وتشجعني وتجعلني سعيدة .. قصتي فيها ماما لأننا روحٌ واحدة ) .

زر الذهاب إلى الأعلى