قصص وتقارير

عضوات مجلس المحافظة بين السطوة الذكورية والحرب الإلكترونية

المستقلات هن الأكثر عرضة للتهديدات وحملات التسقيط

الديوانية /منار الزبيدي

تتفق معظم النساء العراقيات العاملات في المجال السياسي المحلي في محافظة الديوانية على وجود تحديات كبيرة حجمت دورهن وأبعدتهن عن كشف ملفات الفساد ومحاسبة المقصرين، واستخدمت ضدهن أساليب ترهيب وتضييق وتهديد انتهت بسكوتهن، خصوصاً المستقلات اللواتي لا ينتمين إلى جهة حزبية أو كتلة سياسية، كما فشلن في توحيد صفوفهن داخل مجلس المحافظة بسبب انسحاب بعضهن امتثالاً لأوامر الجهات التي جاءت بهنّ إلى سدة الحكم.

ولعل الخوف من التهديد بالقتل أو الاختطاف أو مواجهة الجيوش الإلكترونية التي تتبع أسلوب الطعن بالشرف والأخلاق، من أكثر الأسباب التي دعت بعض عضوات المجلس إلى التخلي عن واجباتهن في كشف ملفات الفساد ومحاسبة المقصرين.

عنف سياسي

تواجه النساء في مجلس المحافظة عنفاً سياسياً أثّر بشكل سلبي في صورتهن أمام المواطنين الذين أصبحوا لا يثقون بدورهن السياسي، فكثيرات منهن أصبحن مجرد واجهة فرضتها الكوتا لتلوين التشكيلة الذكورية داخل مجالس المحافظات، ما جعلهن في مأزقٍ وإحراج بين قواعدهن الشعبية من جهة وقيود العمل من جهةٍ أخرى.

وتقول رئيسة لجنة البلديات والاتصالات في مجلس محافظة الديوانية للدورة الحالية بلسم العوادي “هناك جهات وكتل سياسية تحارب كل من يحاول المساس بمصالحها غير المشروعة، وقد تعرضت للتهديدات الكثيرة بسبب محاولة فتح ملفات الفساد أبرزها مشروع الكابل الضوئي، وعلى الرغم من إبلاغ مجلس المحافظة بما تعرضت له إلا أن القضية سُوّفت لغاية هذه اللحظة”.

وكلما حاولت إحدى العضوات ممارسة دورها الرقابي التشريعي دقت طبول الحرب ضدها، وهذا ما حصل مع إحدى زميلات العوادي بعدما أعلنت في أحد اجتماعات المجلس عن نيتها في مواجهة الفاسدين في مجال معين، وتعرضت إلى حملة واسعة من الضغوطات والتهديدات والتلويح بفضحها باستخدام الفيديوات المفبركة والصور الإباحية، وتضيف العوادي “أن النساء المستقلات هن الأكثر عرضة للتهديدات وحملات التسقيط أما المنضويات تحت مظلة الأحزاب والكتل السياسية فلا يمسهن أي مكروه، وكأنما ندفع ثمن استقلاليتنا إما الموت أو الفضيحة أو الصمت”.

مزاجية وسطوة ذكورية

لا تواجه العضوات خطر التهديدات فحسب بل تتعرضن إلى الإقصاء والتهميش في توزيع الأدوار داخل المجلس، ومعظم المناصب المهمة يترأسها الرجال كما تواجه غالبية مقترحاتهن بالتسخيف أو التسويف. كما أن ضعف التمثيل النسوي (سبع نساء) داخل مجلس محافظة الديوانية مقابل (21 رجلاً) أثر بشكل كبير في قوة النساء وتأثيرهن في طرح القرارات واتخاذها، بينما اكتسب الرجال الحظ الأوفر في مستوى التأثير والسطوة.

وتقول زينب العابدي رئيسة لجنة البيئة والآثار في مجلس محافظة الديوانية “قدمت الكثير من المقترحات المهمة إلا أنها سوفت ولم تنفذ، ربما بسبب المزاجية أو قلة المؤيدين داخل المجلس الذي يمتاز بغالبية ذكورية”.

شهادة حية

إن المشكلة الكبرى التي تواجه النساء العاملات في المجال السياسي تكمن في كيفية التعامل مع النزعة الذكورية داخل الحزب أو الكتلة السياسية المسؤولة عن رسم السياسة العامة للبلد، ففي بعض الأحيان تحصل تقاطعات بين النساء وتوجهات الأحزاب والكتل، ولكن في نهاية المطاف لا تمرر سوى الإرادة الحزبية والسياسية، وهذا ما يحصل داخل أروقة مجالس المحافظات التي ينعدم فيها القرار النسوي، وعندما يصدر من النساء أي قرار فإنه يعبر عن قناعة الحزب أو الكتلة حتى لو كان ضد قناعاتهن ومبادئهن، لذلك يقول البعض إن النساء في العملية السياسية مجرد واجهات كمالية لا أكثر.

محاولات باءت بالفشل

وتقول وداد الحسناوي، العضوة في مجلس محافظة الديوانية سابقاً والتي كانت تترأس لجنة حقوق الإنسان، “في إحدى المرات اتفقت مع زميلاتي في المجلس على طرح قضية مهمة تخدم المجتمع إلا إني فوجئت خلال الجلسة، فقد كانت كل واحدة منهن تسترق النظر إلى من يمثل كتلتها وحزبها لتقرأ تقاسيم وجهه ثم تقرر، ولهذا يؤسفني القول إن جميع محاولاتي في تشكيل قوة قرار نسوية موحدة باءت بالفشل”.

وبحسب الحسناوي فإن “أكثر الممارسات التي سلبت النساء حق المشاركة في اتخاذ القرارات المهمة هي عقد بعض جلسات المجلس في بيت أحد السياسيين، وغالباً ما تكون أثناء الليل، وهذا لا يتناسب مع وضع النساء وأعراف مدينتنا”.

وبشكل عام، الأمر لا يتعلق بمجلس محدد، إذ إن غالبية السياسيات يشعرن بالحاجة إلى تغيير مسار نظرة الرجل، فهناك من يبقي نظرته تجاه جغرافية البدن بعيداً من خريطة فكر المرأة وإبداعها وعمق ما تطرحه من مواضيع. ولا يمكن إغفال الأسلوب البشع الذي يستخدمه بعض السياسيين تجاه النساء، الذين يسفهون ويسخرون مما تطرحه النساء مهما كان الموضوع مهماً ومؤثراً، حتى لا يسجل كإنجاز باسم المرأة ليحافظ أولئك على سطوتهم المشهودة.

وضع قانوني

ويرى الخبير القضائي عباس الربيعي أن المجتمع بدأ ينفتح على المرأة وينتخبها، ومنحها قانون الانتخابات حق الكوتا فقط كحالة مثالية أي مجرد تمكينها للوصول إلى مجلس النواب ومجالس المحافظات، ولهذا فإن عدد عضوات مجلس محافظة الديوانية محدد بنسبة الكوتا فقط.

ويقول مدير المكتب الإعلامي للمحكمة الاتحادية العليا إياس حسام الساموك، إن الدستور العراقي يهدف إلى تحقيق نسبة تمثيل من النساء لا تقل عن ربع عدد أعضاء مجلس النواب أي 25 في المئة من الأعضاء، وهذا ما يجب تحقيقه في مجلس المحافظة المنتخب نظراً لوحدة الهدف والاختصاص في المجال التشريعي، وهذا لا يتقاطع مع المبدأ المنصوص عليه في المادة (14) من الدستور.

توعية الأحزاب

وحتى تتمتع المرأة السياسية بمجال واسع في ممارسة دورها وإثبات وجودها أمام المواطنين يجب العمل على توعية الأحزاب والكتل السياسية في مجال حقوق المرأة وتعديل الأنظمة الداخلية بما يضمن توافر قدر كاف من الاهتمام بالمرأة. وتقول الباحثة الاجتماعية ابتسام نعمة “لا يمكن زج المرأة في العمل السياسي من دون أن تكون متمكنة في هذا المجال ويجب أن تتوافر مواصفات خاصة مثل قوة الشخصية والتأثير والقدرة على التفاوض والإقناع والقيادة وغيرها، ولذلك يجب أن تأخذ المرأة نصيبها من التدريب والتطوير ورفع المستوى القانوني، وأهم شيء هو أن يكون للمرأة داخل الحزب والكتلة السياسية حق المشاركة في اتخاذ القرارات المهمة والمفصلية”.

م/www.independentarabia.com

زر الذهاب إلى الأعلى