قصص وتقارير

رغم تعافيها من كورونا ..طلقها زوجها بالثلاثة

سارة القاهر

لم تتوقع فاطمة خزعل أن فيروس كورونا سيقضي على حياتها الزوجية بعد إصابتها به، فلدى عودتها لبيت زوجها من العزل الصحي في المستشفى الذي استمر شهرا حتى تعافت، لم يكتف زوجها بمنعها من الدخول، بل طلقها وحرمها من أطفالها بحجة الخوف من العدوى.
فاطمة خزعل (36 عاما) ذهبت في رحلة استجمام إلى إيران قبل نحو شهرين مع صديقاتها، إلا أن سفرها أخفى لها مفاجأة لم تتوقعها، فعندما بدأ فيروس كورونا الانتشار في تلك الدولة، أصدرت إثر ذلك الحكومة العراقية قرارا بغلق الحدود منتصف مارس/آذار الماضي، مما دعا فاطمة إلى العودة للديار على وجه السرعة على متن طائرة الخطوط الجوية العراقية، متجهة نحو بغداد حيث تسكن.
وعند وصولها مطار بغداد الدولي، اتخذت معها الإجراءات الصحية المفروضة على المسافرين القادمين من بلدان العالم المختلفة، والمتمثلة في أخذ عينة والحجر المبدئي لحين ظهور نتائج الفحص، ففوجئت بالنتيجة وهي إصابتها بفيروس كورونا وعزلت في مستشفى الفرات، وما كان منها إلا الاتصال بزوجها وأهلها وإعلامهم بحالها.
لم تتلق فاطمة خلال تواجدها في العزل الصحي أي اتصال من زوجها، مما أثار الشكوك داخلها وهي تحاول معرفة الأسباب التي دعت زوجها إلى الانقطاع عنها في فترة العزل المقررة.
وعندما تعافت فاطمة من كورونا، اتصلت إدارة المستشفى بزوجها ليأخذها للبيت، فاعتذر عن الحضور بذريعة حظر التجول المفروض، فلجأت إدارة المستشفى إلى شرطة النجدة لنقل فاطمة إلى بيت زوجها وهي متشوقة لرؤية أولادها.
طالق بالثلاث
“طالق بالثلاث”، كان هذا أول ما تفوه به الزوج عند رؤية فاطمة عند باب البيت، ثم غاب بعض الوقت ليعود مرة أخرى وهو يحمل أغراض فاطمة وألقاها أمامها على الشارع، هذا ما قالته فاطمة والصدمة تعتري وجهها.
وعند التواصل مع زوج فاطمة للتأكد من سبب الطلاق، أكد أن الأمر يعود لإصابة زوجته بكورونا، حيث يعتقد أنه من الأمراض المعدية الخطيرة كالتيفوئيد الذي لا شفاء له، ويبقى مع المريض وقد يعدي غيره، حسب قوله.
وأضاف الزوج في اتصال هاتفي للجزيرة نت أنه غير مستعد للتضحية بأفراد الأسرة، بما فيهم الأبناء، معبرا عن اعتقاده أن الطلاق أفضل حل لسلامة الجميع.
وتسكن فاطمة حاليا في بيت أهلها، ويحاول والدها إعادتها إلى زوجها حتى تتمكن من رعاية أطفالها، إلا أن زوجها يصر على طلاقها وعدم عودتها إلى المنزل.
قصص اخرى 
وليست فاطمة المثال الوحيد للتحولات الاجتماعية التي طرأت بعد كورونا، فثمة كثيرات على شاكلتها، إذ يبدو أن النساء الضحية الأكثر تضررا بسبب كورونا.
رفل الخفاجي (23 عاما)، طالبة جامعية، أصيبت بفيروس كورونا، وعندما علمت أسرتها بأعراض المرض لم تبادر بالاتصال بالإسعاف خوفا من انتشار خبر إصابتها في منطقة سكنها.
ذهبت رفل بنفسها إلى أكثر من مستشفى للفحص دون استفادة، حتى وصلت إلى مستشفى متخصص في فحص المشتبه فيهم بالإصابة بكورونا، وبعد فحصها تبين أنها مصابة بالفيروس، فحجر عليها في المستشفى حتى تماثلت للشفاء.
وتقول رفل بعد تعافيها عادت إلى بيت أهلها لتجد الأمور قد تغيرت كثيرا عن السابق؛ “عند قدومي إلى المنزل وجدت أبي قد خصص لي الملحق الذي كنا نضع فيه الأشياء القديمة، وأفرغ غرفتي من جميع محتوياتها، وقام بحرقها، خشية انتشار المرض في العائلة”.
وتضيف أنه تم عزلها في الملحق، حيث لا تختلط بأحد، حتى الطعام والشراب يقدم لها وهي في عزلتها بأطباق وأكواب من البلاستيك للاستخدام مرة واحدة.
وتواصل رفل الحديث بالقول “أبعدت عن الجميع، وحتى أهلي صاروا يخشون الحديث معي إلا من خلال الشباك، ولم يخبروا أي أحد من الأقارب أو الجيران بإصابتي”.
وتواصلت الجزيرة نت مع والد رفل (الذي فضل عدم ذكر اسمه) لتوضيح السبب الذي دفعه للإجراءات التي اتخذها بحق ابنته، فقال إن ما قام به هو إجراء احترازي لحماية العائلة وحتى لا ينتقل المرض من رفل لأخوتها، معتبرا أن الذي يخرج من المستشفى لا بد أن يبقى في الحجر عدة أسابيع للتأكد من خلوه التام من المرض، مشيرا إلى أن أبنته لا زالت عندها بعض الأعراض.
وأضاف أنه سيواصل هذا الأجراء بحق ابنته شهرين أو ثلاثة، يتم خلالها عرض ابنته على الطبيب للتأكد من حالتها، وبعدها سيرفع عنها الحجر.
وعن سبب إخفاء حالة ابنته المرضية عن الجيران والمقربين، يعتقد والد رفل أن الأمر مخجل وقد يعرضهم للإحراج.
وصمة عار
تقول أستاذة علم النفس في جامعة المستنصرية في بغداد مناهل صالح، إن بعض العائلات والأسر في العراق تخشى على بناتهن من فحص فيروس كورونا، لأن الإصابة بالفيروس -في نظرهم- أشبه بوصمة عار تلازم الفتاة طول العمر، ومن الممكن أن يحرمها من الزواج والاستقرار وتكوين أسرة، كما تدفع إصابة الفتاة بالفيروس عائلتها للشعور بالخجل من الناس.
وتضيف أن بعض أرباب الأسر يعتبرون وصول سيارات الإسعاف إلى بيوتهم لأخذ المريضة أمرا منافيا للأخلاق والأعراف العشائرية.
ولفتت أستاذة علم النفس إلى أن كثيرا من المريضات تعرضن لرفض أسرهن إيواءهن وإعادة دمجهن بالأسرة مجددا، رغم التعافي من المرض، خشية انتقال العدوى في حال عاد الفيروس مرة أخرى إلى المريضة.
واختتمت مناهل صالح حديثها بتأكيد ضرورة تفعيل الدور الإنساني، “والتحرر من الجهل والأعراف البالية التي تعتبر إصابة الفتاة بفيروس كورونا وصمة عار”، وهو ما قد يعرض الفتاة للكثير من التنمر والاستهزاء والاشمئزاز، في حين هو فيروس لا يختلف في حقيقته عن سائر الفيروسات الأخرى التي تصيب الإنسان.
زر الذهاب إلى الأعلى