قضايا المرأة

الهروب أو الانتحار…عن ضحايا الابتزاز الالكتروني في العراق

عديلة شاهين

في لحظة شعرت ولاء بأنها لم تعد قادرة على الخروج  من قاع اليأس واحتواء أزمتها، مما لجأت الى الشارع هائمة على وجهها، اخذت تحدق فيما حولها. للوهلة الأولى لم تفكر بوسيلة لاسترداد ما تم سلبه منها وعرّض حياتها للخطر، وكان القرار الداخلي الذي اتخذته هو الانتحار، لقد كانت مقتنعة بأن الموت أهون  عليها من تساؤلات تحتاج الى إجابة بمستوى من القوة و الشجاعة.

تركت ولاء البالغة من العمر ١٧ عاماً دراستها الإعدادية و ذلك لضعف مستواها التعليمي ، و اعتادت على ملازمة منزلها الكائن في جنوب العاصمة بغداد .

و قد تعرضت لنوع غريب من الابتزاز من قبل شاب بعد ان  تعارفا على بعضمها عبر شبكات التواصل الاجتماعي ، أقنعها الشاب بانه سيتزوجها، الأمر الذي أدى الى تطور علاقتهما وبدأت الفتاة بإرسال صورها الشخصية في أوضاع مختلفة. لم ينته الأمر عند هذا الحد، بل وصل بها الى فقدان عذريتها عبر الفضاء الافتراضي وهو يصورها ويوثق ما تفعله. لم تمرّ فترة كي تستفيق الفتاة على كابوس الابتزاز حيث أرسل لها الشخص المبتز، لقطة فيديو توثق لقائهما الافتراضي و طلب  مبلغ ١٦٠٠ دولار امريكي، و بخلاف ذلك سيبث الفيديو عبر الأنترنت، و يرسله الى عائلتها.

لجأت الفتاة الى أحد أقرباءها، حيث كان يدّعي بأنه على التواصل مع الجهات الأمنية كي يساعدها لإيجاد حلول تخلصها من  المبتز، لكنه هو الآخر قام بابتزازها وطلب منها ارسال الفيديو والاّ سيفضح أمرها!

لقد تعرضت ولاء لضغط نفسي هائل، خاصة حين أصبحت فريسة نوع آخر من الابتزاز من قبل أحد أقرباء العائلة وهي كانت تعاني ابتزاز شخص مجهول، الأمر الذي دفعها الى التفكير بالانتحار؛ وكانت صفحة (معاً ضد الابتزاز الالكتروني) على الفيس بوك، ملاذ آخر لجأت اليه ولاء  وطلبت من العاملين في الصفحة المساعدة. وتعد صفحة معاً ضد الابتزاز الالكتروني والتي يديرها فريق متخصص بحماية وأمن المعلومات ومكافحة الجرائم الالكترونية من بين المنصات المهمة لكشف المبتزين والمشعوذين وحالات التحرش والعنف الاسري.

يقول محمد “مدير صفحة معا ضد الابتزاز الالكتروني”: نحن فريق تطوعي نساعد الفتيات اللواتي يتعرضن للابتزاز الالكتروني عن طريق التعامل مع المبتز وكشف حسابه بالطرق التقنية وتقديم البلاغات للشرطة المجتمعية وتزويدها برقم هاتف المبتز وعنوانه. ويضيف: بعد تلقي الرسالة تم الاتصال بالضحية وتبين ان ولاء تعرضت للابتزاز. وبيّن محمد كيف أوقف الفريق حالة الانتحار بعد ان تلقى الرسالة، وأقنعها بالعدول عن القرار بطرق مختلفة ومن ثم اوصلها للشرطة المجتمعية التي بدورها اتخذت اللازم .

ليست قصة ولاء الأولى ولا الوحيدة حيث ترد للصفحة المذكورة وبشكل يومي ٥٠ شكوى ابتزاز الكتروني وقد تتعدى ألف حالة شهريا بحسب المتحدث. وقد استطاع الفريق خلال شهر آب ٢٠٢١ إيقاف ٣حالات انتحار بينما لم يستطع إيقاف حالتين. وفي واحدة من تلك الحالات تعرضت الضحية للابتزاز من قبل طليقها الذي نشر صورها وهي عارية في ٥٠ حساب وهمي على شبكات التواصل الاجتماعي.

الابتزاز الالكتروني (جريمة) 

تعلن وزارة الداخلية بشكل شبه يومي عن الإيقاع بعدد من المبتزين ففي ٢١- من آب الماضي (٢٠٢١) أعلنت خلية الأعلام الأمني إلقاء القبض على ١٨ مبتزا الكترونيا في يوم واحد من محافظات مختلفة بناء على شكاوى واردة من مجموعة فتيات. وفي هذا السياق تحدث مدير علاقات واعلام وزارة الداخلية العراقية اللواء سعد معن قائلا: تنظر وزارة الداخلية إلى الابتزاز الإلكتروني بصفته جريمة كبقية الجرائم التي تكافحها الوزارة من قبل تشكيلاتها المتخصصة، ولدى الوزارة تشكيلات أمنية واستخباراتية واخرى متخصصة بالعمل المجتمعي تعمل على مكافحة هذه الجريمة. وقد احالت وزارة الداخلية الكثير من مرتكبي جرائم الابتزاز إلى المحاكم.

لا يقدم كثيرون في اغلب الأحيان على الإبلاغ عن جرائم الابتزاز الإلكتروني، وذلك لاعتبارات عشائرية واجتماعية معروفة على الرغم من حملات التوعية والتثقيف التي نفذتها دائرة العلاقات والاعلام في وزارة الداخلية وحثت فيها  إلى التوجه لدوائر الوزارة المختصة لتسجيل الدعاوى ضد المبتزين تمهيدا لاتخاذ الإجراءات القانونية بحقهم واحالتهم إلى القضاء. ومن الحملات المهمة التي نفذتها الدائرة المذكورة في هذا المجال هي حملة (بتنه تهمنه) والتي تركزت على توعية الفتيات المراهقات وتنظيم زيارات ميدانية إلى المدارس والكليات والمعاهد لأغراض التوعية والتثقيف والتوجيه.

 هروب ومحاولات انتحار

وفي ظروف وسيناريو مختلف وجدت نور نفسها قد تعرضت للاغتصاب مرتين من قبل المبتز ما دفعها للتفكير بالانتحار ، وتعد قصة نور التي ولدت في بيئة هامشية ومكبوتة من ضمن  القصص المحفوظة بين ملفات الشرطة المجتمعية، التي اطلعت عليها  كاتبة هذا التحقيق. ويقول مدير الشرطة المجتمعية في العراق العميد غالب العطية: في الوقت الذي أبلغت فيه نور الشرطة المجتمعية بتعرضها لحالة ابتزاز واغتصاب، واثناء محاولتنا الوصول الى المبتز سافرت الضحية من محافظة الى أخرى ووصلت لمنزل المبتز ليغتصبها مرة أخرى وبوجود والديه ، ويضيف قائلاً: لقد واجهنا صعوبة في التعامل مع الحالة، لأننا حذرنا الضحية ووجهنا بعدم الرضوخ الى المبتز لحين استكمال الاجراءات القانونية ومحاسبته.

وتعد النساء بحسب احصائية الشرطة المجتمعية حول حالات الابتزاز الالكتروني لمدة سبعة أشهر من العام الحالي (٢٠٢١) عرضة للابتزاز الالكتروني حسب الفئة العمرية من ١٥-٢٥ عاما، وخاصة ربات البيوت أو النساء اللواتي لا يعملن، لأن المرأة العاملة تكون اكثر اطلاعا وخبرة و لا يمكن الإيقاع بها بسهولة ، وترد الى الشرطة المجتمعية ما يقارب ١٠٠ شكوى شهريا لحالات ابتزاز الكتروني وقد استطاعت الكشف عن ٨٠٠ حالة أغلبها من النساء حيث استنجدت ٦٠٠ فتاة بالشرطة المجتمعية للمساعدة، بينما توجد حالات أخرى لم يتم الإبلاغ عنها خوفاً من اتساع دائرة الفضيحة.

ان نسبة النساء اللواتي يتعرضن للابتزاز وفق الاحصائيات ذاتها تلامس ٦٠٪؜ مقابل ٤٠٪؜ من الذكور. هذا وقد سجلت الشرطة المجتمعية ١١٢ حالة هروب من المنازل لفتيات تعرضن للعنف الاسري، من بينها ٣٤ حالة لفتيات تعرضن للابتزاز الالكتروني خلال شهر آب الماضي.

معلومات متضاربة ومقلقة

واكد العميد غالب العطية تسجيل حالات انتحار نتيجة الابتزاز الالكتروني، وبحسب احصائيات استمر العمل عليها لمدة سبعة أشهر من العام الحالي، فقد نجحت الشرطة المجتمعية في منع ١٢حالة انتحار عن طريق التواصل مع الضحايا.

وفيما يخص الأعداد الحقيقية لحالات الانتحار جراء الابتزاز الالكتروني فيقول العميد غالب العطية وبصفته عضوا في اللجنة الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الانتحار، “قدمت استمارة موحدة تعتمد على معلومات وأسباب الانتحار وقد جمعت الشرطة المجتمعية معلومات كبيرة، ولكنها متضاربة ومنقوصة بسبب عدم مصداقية ذوي الضحايا في تسجيل أسباب الانتحار وفي بعض الأحيان يتم الإبلاغ عن حالات الانتحار على انها وفاة طبيعية او الابلاغ عن حالات غسل العار او جرائم الشرف على انها حالات انتحار”.

ولا ينفي العطية وجود حالات انتحار مسجلة نتيجة الابتزاز الالكتروني والتي تم تسجيلها بناءعلى إقامة دعاوى قضائية، ولكن من الصعب اجراء إحصائية دقيقة حول الأعداد الحقيقية بحسب رأيه.

 قانون جرائم المعلوماتية 

يذكر ان القضاء العراقي اتجه الى اسناد الفعل المادي الجرمي للمبتز الالكتروني حسب قانون العقوبات العراقي رقم ١١١ لسنة ١٩٦٩ واعتبار جريمة الابتزاز الالكتروني عبر مواقع التواصل الاجتماعي تمثل جريمة تهديد واحتيال لغرض غش المجني عليه وصولا لابتزازه وقام القضاء العراقي بتكييف هذه المواد القانونية بموجب المادة ٤٣٠ من قانون العقوبات العراقي. ويعود ذلك الى غياب قانون حديث يجرّم المبتز الالكتروني. وهناك مشروع قانون قدمته جهات مختصة الى مجلس النواب العراقي في العام الحالي (٢٠٢١) وسمي بقانون “جرائم المعلوماتية” الا انه ما يزال قيد التشريع.

وبحسب العميد الحقوقي واسم اللامي يعاقب قانون العقوبات العراقي بالسجن لا تزيد مدته على سبع سنوات او بالحبس كل من هدد آخر بارتكاب جناية ضد نفسه، او ماله،او ضد نفس، او مال غيره، او بإسناد امور مخدشة بالشرف او إفشائها وكان ذلك مصحوبا بطلب او بتكليف بأمر او الامتناع عن فعل او مقصوداً به ذلك. ويقول اللامي في هذا السياق، “ومن خلاصة ما سبق فإن المشرع العراقي قد وفق في صياغة النصوص القانونية السابقة في المواد ٤٣٠ و٤٣١ و٤٣٢ التي قامت بتجريم أفعال التهديد باستخدام أي وسيلة من وسائل ارتكاب الجريمة سواء اكانت تقليدية ام الكترونية”.

أسباب واقعية 

وترى الناشطة والباحثة في شؤون الاسرة والطفل رفاه الزوبعي “انه نتيجة لظاهرة العنف الاسري تقع مئات الفتيات ضحايا الابتزاز الالكتروني الذي ينتزع  حقوقهن ويعرضهن لخطر الهروب والانتحار، وقد ازدادت حالات العنف المرتبطة بالمشاكل الأسرية في العراق، تزامنا مع تفشي وباء كورونا” ، إذ تفيد إحصائيات رسمية إنه تم تسجيل 15000 قضية عنف أسري في العراق خلال عام 2020، بشكل عام وإصدار 4000 مذكرة القاء قبض بسبب هذه القضايا.

ان  الكثير من الحالات التي تم رصدها من خلال عملها مع الشرطة المجتمعية، قد تعرضت المرأة فيها للعنف الاسري او تعاني من الفقر والعوز.

وتحدثت الزوبعي حول تفاقم ظاهرة الابتزاز الالكتروني في فترة التباعد الاجتماعي بسبب وباء كورونا  مع كثرة استخدام الهواتف المحمولة ، وبحسب المؤشرات الرئيسية للجهاز المركزي للإحصاء في وزارة التخطيط فان نسبة الافراد الذين يمتلكون الهاتف المحمول حسب الجنس ٦٨,٤٪؜ من الذكور و٤٧,٣ من النساء.

مخاطر ومعالجات  

ويربط د. حسين اللامي، دكتوراه في علم النفس والفلسفة، الابتزاز الالكتروني بتدهور الصحة النفسية للضحية وصولا الى حالة الاكتئاب التي تقود في معظم الحالات الى الانتحار. وتابع حديثه قائلا للابتزاز الالكتروني أنواع تأتي على عدة اشكال والتي تساعد المبتز على استدراج الضحية عبر محتويات جنسية تخص الضحية بهدف المساومة عليها مقابل الحصول على المال. ويعد الجانب الجنسي غاية الحساسية، حيث يتجرأ المبتز بطلب الخدمات الجنسية مقابل عدم نشر المحتوى. وفي المقابل هناك جانب منفعي يستخدمه المبتز ضد شخصيات معروفة في المجتمع وأصحاب مناصب اتخاذ القرار والإعلاميين والشخصيات التي تمتلك مكانة اجتماعية.

بحسب د. حسين اللامي فإن جريمة الابتزاز الالكتروني تختلف عن الجرائم الأخرى لأنها تحدث في عالم افتراضي و تؤدي الى تراجع مستويات الصحة النفسية لدى الضحية إضافة الى اضطرابات عضوية. فبعد سلسلة من التهديدات قد تلجأ الضحية  الى الانتحار بهدف الخلاص.

وتطرق د. حسين اللامي الى علاقة جرائم الابتزاز الالكتروني بثقافات وعادات الشعوب، فنرى المجتمع العراقي يربط شرف العائلة وسمعتها بالمرأة ،لذا يستغل المبتز هذا الجانب .

ويختتم اللامي حديثه بالإشارة الى المعالجات الفعالة التي تساهم الى حد كبير في ايقاف وتحديد هذه الظاهرة قائلا: من الضروري اعتبار جريمة الابتزاز الالكتروني من جرائم الإرهاب والتي تخضع لقوانينه والكشف عن هوية المبتزين وجعلها متاحة امام عامة الناس، إضافة الى التحصين النفسي الوقائي من خلال غلق المواقع الإباحية وتتولى هيئة الاعلام والاتصالات حجب هذه المواقع.

Internews – Aswatouna
منظمة انترنيوز – برنامج اصواتنا
ئينته رنيوز – پروگڕامی ده نگه کانمان

 

زر الذهاب إلى الأعلى