أخبار ومقالات

السجينات في العراق وراء القضبان….. وراء الأعين

تقوى الوائلي

بعد انتشار  عدة منشورات  وقصص  غير موثقة عن سوء التعامل مع السجينات داخل السجون العراقية، زرنا عدة سجون في محافظات مختلفة، لنعرف أكثر عن حال السجينات.  كيف يُنظر اليهن ؟ كيف يُعاملن؟ هل يُمارسن حقوقهن المصونة بالقانون التي نص عليها قانون اصلاح النزلاء والمودعين رقم 14 لسنة 2018  مثالا وليس حصرا: الشروط الصحية في الاقسام الاصلاحية من حيث النظافة والتهوية ،توفير سرير نوم لكل نزيل ، توفير حمامات مناسبة للاستحمام ، توفير جميع التجهيزات الخاصة لتقديم الرعاية للنزيلات الحوامل قبل الولادة وبعدها، حق التعليم وتوفير حضانة للأطفال المرافقين للنزيلات؟ هل تختلف طريقة تعاملهن عن السجناء الرجال؟

في سجن النساء/المحكومات بجرائم مختلفة في احدى المحافظات الجنوبية، قابلنا بنين وهي فتاة عراقية في الثامنة عشر من عمرها حُكم عليها بالحبس لمدة ستة اشهر بتهمة تعاطي المخدرات.

بنين نحيلة الجسم ذات بشرة حنطية تميل الى الصفرة، ترتدي العباءة هادئة ، ما ان بدأنا المقابلة حتى ترقرقت عيناها بالدموع وقالت :”

اشعر بذل شديد ويكبر بي الالم مع كل ساعة تمر علي وانا خلف القضبان”

عن قصة دخولها الى السجن تقول بنين:

“نشأتُ واختي يتيمتين وكانت والدتي بلا معين فثقل الحمل عليها،  تزوجت من رجل اخر على امل ان يعيلنا ، وكان زوج امي يتاجر بالمخدرات، جعلني وأمي من المتعاطيات بعد ان زين لنا الامر، ثم زُوجتُ من شاب بسيط وقع هو الاخر في فخ الادمان وهكذا صارت العائلة كلها في السجن الا اختي التي تعيش برفقة زوجها في محافظة اخرى” ..

بنين تروي قصتها

في السجن عاشت بنين فصلا جديدا من مأساة حياتها اذ تبين انها حامل، وعندما حان موعد ولادتها خلال فترة محكوميتها “نُقلت الى المشفى بسيارة الشرطة وبرفقة شرطيين من الرجال” تضيف بنين وقد علّت المرارة وجهها وهي تسترد ذكريات ولادتها.

تؤكد بنين بأنهما كانا شرطيان رجال، ولم تتم مرافقتها بأية شرطية “وفوق هذا أُعدت الى السجن بعد ساعة من الولادة وبذات السيارة (سيارة الشرطة) ومع ذات الشرطيين” بحسب قولها.

الان بنين تحتضن طفلتها التي تبلغ من العمر اربعة اشهر في السجن شبه عارية، اذ ليس هناك من يوفر لها ثيابا او اياً مما تحتاجه الرضيعات من غذاء او لوازم صحية، وان توفرت فتكون بكمية قليلة ، تأتي على شكل مساعدات من بعض المنظمات الانسانية المحلية بحسب ما أكدت عدّة مصادر داخل السجن وخارجه.

أما عن العلاج من الإدمان فتقول بنين إنها لم تتلق أي علاجا نفسيا او طبيا للتخلص من التعاطي مضيفة: ” لقد تعاطيت المخدرات لمدة اشهر فقط وعانيت في السجن من الاعراض الانسحابية ولم اتلقَ اي علاج يساعدني ”

 

السجن الكبير

في إحدى مناطق العشوائيات، تعيش (ام احمد) البالغة من العمر خمسين عاما  التي خرجت قريبا من السجن بعد ان مكثت فيه شهورا عدة .

المنزل يتكون من غرفتين مبنيتين من (البلوك) وارضيته غير مستوية، المطبخ في باحة البيت الامامية لا باب فيه، وسقفه عبارة عن اخشاب تم وضعها عشوائيا.

اما اثاث المنزل فلا يتعدى بعض الافرشة الارضية و الوسائد، إضافة لثلاجة صغيرة في احدى الغرفتين وجهاز تلفاز موضوع فوق طاولة زجاجية.

تروي أم أحمد قصتها قائلة:

” القي القبض علي بسبب مشاجرة حدثت بين ابني البكر واخرين استخدم فيها السلاح، وما ان اتت الشرطة للمكان فر ابني فأخذونا جميعا انا وزوجي الذي يعاني من مرض القلب وابنتيّ، وهناك تم اخلاء سبيل زوجي والبنتين واستبقوني انا لأجل الضغط على ابني كي يسلم نفسه”.

وعن المعاملة في السجن تقول أم أحمد “في اثناء التحقيق كانوا يتعاملون معي بقسوة واسمعوني كلاما نابيا، لم يوفروا شتيمة او مسبة متجاهلين عمري المتقدم وان لا ذنب لي فيما حصل، تم ايداعي في سجن صغير يضم عددا من النساء يفوق قدرته الاستيعابية ، الحمامات متهالكة لا تصلح للاستخدام،  ماء الشرب شحيح لا تتعدى حصة الواحدة منا الثلاثة قناني من الحجم الصغير، اي مياه اخرى نحتاجها يجب ان نشتريها من حانوت السجن الذي يبيعها لنا ب500 دينار للقنينة الواحدة”

وتتابع أم أحمد في وصف ظروف السجن “لم يكن من حقنا الاتصال بذوينا او بمحام، كان هناك من يوفر لنا الاتصال بصورة غير مشروعة لكنه مكلف اذ تصل سعر الدقيقة الواحدة لعشرة الاف دينار، لا تتوفر في السجن ثياب لنا وعلى كل منا ان تتكفل بتوفير احتياجاتها،  الامر الذي يجعلنا بمرمى المساومة والاستغلال “.

وتؤكد أم أحمد ما قالته لنا عدّة سجينات عن شحّ الفوط الصحية التي توفرها بشكل رئيسي المنظمات الإنسانية، كذلك عانت النساء في سجن أم أحمد من عدم وجود طبيب او طبيبة مختصة ، حيث لا تتلقى السجينة أية رعاية طبية الا اذا استدعت حالتها النقل الى المستشفى.

” كانت اياما مريرة جدا ” بهذا تختصر أم أحمد تجربتها.

ام احمد تستعيد ذكرياتها المريرة في سجن النساء

ويبدو أن تجربة كل من أم أحمد وبنين ليست استثناء، اذ روت عضو لجنة المرأة في مجلس النواب العراقي  ريزان الشيخ دلير لشبكة رووداو الاعلامية مشاهداتها في سجن النساء في الرصافة الذي زارته في بدايات عام 2021 واصفة الأوضاع فيه “بالكارثية”. وقالت :”إن السجن يضم 550 نزيلة و286 طفلاً وحدثاً تقول السلطات إنهم أطفال مسلحين أجانب ينتمون لتنظيم الدولة “داعش”، مؤكدة “إن ما رأته هناك كارثة، ولا يوجد مثيل له في أي مكان في العالم.

كما أكدت النائبة في تصريح صحفي لشبكة روودوا الاعلامية في الاول من اذار العام الماضي إن 118 نزيلة حشرت في قاعة تتسع ل40 شخصاً فقط، وأن “عدد القاعات قليل جداً بالمقارنة مع السجينات، والنساء السجينات هناك معهم 286 طفلاً، وهناك حمام واحد ومرحاضان، ولا يوجد مكان لتناول الطعام، ولا يوجد مكان للتنظيف أو غسل الملابس، وقدمتُ مذكرة حول ذلك الى رئاسة البرلمان ورئيس مجلس القضاء ووزير العدل”.

ولا يختلف الحال في سجون المحافظات عن العاصمة، فبحسب

احد العاملين في سجن النساء ( طلب عدم ذكر اسمه) في واحدة من محافظات الجنوب: بأن ” القدرة الاستيعابية للمكان لا تتجاوز ال 300 حسب السرائر، إلا أن السجن رجالا ونساء يضم حاليا بين جدرانه أكثر من ضعف ونصف القدرة الاستيعابية، مشيراً إلى أن ” , اغلب السجينات ينمن على االأرض وبأن الحمام والتواليت في مكان واحد وفي نفس الغرفة، وليس هناك من خصوصية للسجينة”.

ويضيف المصدر بأن الاكتظاظ في السجن الذي يعمل به

يولد الكثير من المشاجرات بين السجينات التي تكون الغلبة فيها لبعض الفئات اعتمادا على بعض المعطيات مثل علاقة السجينة بالادارة هذا اولا وثانيا قوة الشخصية والبنية الجسدية.

معاناة يندر الحديث اذ لم يسلط الضوء على سجون النساء منذ عام 2017 وحتى بداية العام  2022 غير مرات ثلاث في تقارير صحفية واعلامية والاندر منه الاهتمام الحقيقي برفعها وهو ما اقر به العقيد فاضل المسؤول عن احدى المؤسسات العقابية قائلاً :”المكان صغير والاعداد في تزايد بسبب ضعف الميزانية المخصصة ”

اشار احد العاملين في سجن النساء:” ان الميزانية مقطوعة عن السجون عموما منذ عامان وان هناك متعهد يعمل وفق عقد مع الحكومة يوفر وجبات الطعام فقط لكل سجون العراق، اما الاحتياجات الاخرى للسجينات والسجناء فيتكفل بها اسرهم”

وعن علاج المدمنات يشير العقيد فاضل “اغلب النزيلات محكومات بقضايا تعاطي المخدرات ولا يوجد لدينا مركز او مكان او حتى سرير في مستشفى للتأهيل والعلاج من التعاطي فضلا عن افتقارنا الى مركز ايواء للمفرج عنهن واللاتي هن غالبا عرضة لمخاطر القتل والتعنيف”.

من جانبها أشارت فاتن الحلفي وهي عضو سابق للمفوضية العليا لحقوق الانسان وناشطة حقوقية إلى أن :”الاكتظاظ شيء عام في جميع السجون وازدياد اعداد السجينات بسبب انتشار المخدرات سواء بصورة مباشرة او بسبب احد افراد الاسرة.”

وتواجه السجينات صعوبات إضافية داخل السجن لكونها نساء إذ “تغيب الجدية في التأهيل المقدم للسجينات اللواتي يحتجن الى اماكن افضل كما يحتجن الى تلقي عناية افضل وتأهيل نفسي فهن يرزحن تحت معاناة شديدة يزيد من شدتها تخلي اسرهن عنهن وشعورهن انهن منبوذات مهددات في ظل الاعراف السائدة التي تنظر الى السجينة على انها جالبة للعار لذويها وعشيرتها لذلك يتشدد المجتمع معها عكس تعامله مع الرجل حيث يُنظر اليه انه بطل رغم ارتكابه لجريمة” بحسب الباحثة الاجتماعية زينب مهدي التي تعمل في سجن النساء منذ اربع سنوات.

وتضيف مهدي ” لا يوجد اماكن تسمح بتدريبهن على المهن او تعليمهن القراءة والكتابة، خاصة ان اغلب السجينات من الاميات ،  حتى العلاج النفسي المقدم هو علاج شكلي لا يتعدى طرح بعض الاسئلة وكتابة تقرير دوري”.

أما الحلفي فتشير إلى “حدوث التعذيب في فترة التحقيق مشيرة إلى إمكانية وجود حالات تحرش غير انه لم يتم تبليغنا والسبب في ذلك ان المرأة العراقية تخشى التبليغ عن هكذا امور” بحسب قولها.

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى