زواج الطفلات…انتهاك البراءة بين الأعراف والقانون

تمارا عماد

أجبرها زوجها على الجماع وهي لازلت تعاني من ألم الولادة، اخبرته بأن وضعها الصحي لا يسمح بذلك، وعليه تأجيل ذلك لوقت آخر، انما بدأ بضربها بقوة، بينما رضيعها (طفلتها) تصرخ على طرف السرير. عاد لها النزيف الحاد بسبب ممارسة الجماع بفترة النفاس ودخلت على أثرها المستشفى. لقد عاشت رنا (الاسم مستعار)، الأم الصغيرة، أسوء ليالي حياتها أمام قسوة زوجها.

تبدأ معاناة رنا بعد تزويجها وهي لم تزل صغيرة، زواج جعل منها أسيرة العنف لعام ونصف عام، انما سوف لن تختفي آثارها. نزحت عائلة رنا بسبب التهجير وتزايد أعمال العنف في العديد من محافظات العراق، من بينها محافظة ديالى، قرر والدها أن تتعلم هي وأخواتها الثلاث أعمال منزلية من والدتها، وأجبرتها الظروف القاسية قبل ذلك ترك مقاعد الدراسة. كان عليها ان تنتظر النصيب، أو “إبن الحلال” بحسب التقاليد الاجتماعية البالية. “تزوجتُ بعمر 16 سنة من رجل يكبرني ب15 عامًا، كنت قد تركت التعليم، بسبب صعوبة الحياة المعيشية” تقول رنا.
وتسرد رنا قصة زواجها، “زارتنا ذات يوم، جارتنا وبصحبتها عدّة نساء لرؤيتنا أنا وأخواتي لخطبة إحدانا، وقع الأختيار عليّ كوني الأصغر سنًا بين اخواتي، ومازلت اتذكر صوت المرأة الكبيرة عندما قالت نختار الصغيرة، حتى يربيها على ايدة”. ويعني ذلك أنها لازالت صغيرة ولا تفقه شيء عن الحياة، وسوف يتمكن زوجها من تربيتها والسيطرة عليها. لقد تم تزويجها بعد قرابة شهرين من قدوم النسوة إلى منزل والديها، تركت بيت أهلها الذين فرحوا برحيلها، معتقدين أن زوجها ووالدته سيوفرون لها حياة كريمة مستقرة، انما اكتشفت بعد أسابيع قليلة أن والدة زوجها كانت تبحث عن خادمة للطبخ والتنظيف واستقبال الضيوف. وقد تم حرمانها حتى من زيارة أهلها.
يكمن جزء آخر من معاناة زواج رنا في فترة الحمل خاصة انها كانت صغيرة، وكانت تُسمع طوال فترة الحمل كلاماً يومياً عن رغبة زوجها ووالدتها بانجاب ولد يحمل اسم والد الزوج. تقول رنا، “أنجبتُ بنتًا وتعرضتُ لنزف حاد أثناء الولادة وكدت أفقد حياتي، وذلك بسبب صغر منطقة الحوض لديّ ولعمري المبكر على الحمل، بعد خروجي من تجربة الولادة القاسية والمعاناة والألم الذي شعرت به، بقيت في بيت أهلي لأسبوع، عدت الى البيت الزوجي حيث استقبلني زوجي بالشتائم كوني أنجبت بنتًا وليس ولد”. وعلى رغم آلام بعد الولادة الجسدية والنفسية، أرادت رنا ان تطمئن زوجها عن طفلهما القادم وقد يكون ولداً، انما لم يفده كلامها بشيء واستمر العنف.
“قرابة 5 أشهر توفيت والدة زوجي, ثم في يوم قرر زوجي أن يأخذني لبيت أهلي مع الطفلة, ومن حينها لم آراه مجددًا, وعرفت بعدها أنه سافر لبلد أوربي واستقر هناك, بعد عدة مراجعات للمحكمة حكم القاضي بطلاقي غيابيًا بشرط تنازلي عن كافة حقوقي كون زوجي مجهول الإقامة”.
قررت رنا أن تكمل دراستها الإعدادية, بالرغم من معارضة عائلتها لكنها كانت تدرس بأستمرار من أجل خوض الأمتحان الخارجي, تمكنت من عبور مرحلة السادس الإعدادي بمعدل يؤهلها لدخول كلية الهندسة, تخرجت منذ عامين وبدأت تعمل كمندوبة مبيعات, وهي الأن أم لطفلة تسعى جاهدة أن تؤمن لها حياة كريمة.
تلخص قصة رنا ظاهرة أرتفاع ظاهرة تزويج الطفلات في العراق خلال العقد الأخير, خصوصًا مع ظهور أصوات لشخصيات سياسية ودينية أستغلت سلطتها داخل البرلمان العراقي، أو في الوزارات ذات العلاقة محاولةَ تشريع قوانين تعزز المواقف المتطرفة إتجاه حقوق المرأة، وحسر دورها في الأنجاب وخدمة العائلة والتبعية الدائمة للرجل. هذا ما حصل في عام 2013، عندما قام وزير العدل آنذاك بتقديم مشروعي قانون(الأحوال الشخصية الجعفري والقضاء الجعفري)، حيث يبيح القانون زواج الفتيات بعمر تسع سنوات، الزواج المؤقت، تعدد الزواجات والتحكم الذي تفرضه الأعراف والتقاليد العشائرية، أحدث( مشروع القانون الجعفري )غضباً ورفضاً مجتمعي ولاقى معارضة من قبل منظمات المجتمع المدني المعنية بشؤون المرأة والطفل، لما تحسسوه من آثار سلبية تنعكس على المجتمع العراقي، وتعزز الفكر الطائفي والأنقسام المذاهبي، في قضايا الزواج والطلاق وتنظيم الأحوال الشخصية.
وبعد الرفض الواسع للقانون، قرر البرلمان العراقي في العام 2013 تأجيل النظر في (مشروع القانون الجعفري) لما بعد إنتخابات العام 2014، وبين الحين والآخر، وبسبب هيمنة الأحزاب ذات الطابع الديني للتمثيل السياسي داخل قبة البرلمان، يمكن إعادة طرح مثل هذهِ المشاريع التي تسيء للمرأة وتتعارض مع قوانين حقوق الإنسان، وبالرغم من عدم تشريع القانون بصورة رسمية من قبل المشرع العراقي، مازال العراق يشهد أرتفاع غير مسبوق لزواج الطفلات.
يخلتف الحال مع “أيات” ذات الـ18ربيعًا والتي تعيش في محافظة الديوانية جنوب العراق, وهي أرملة وأم لطفلين تقول” تزوجت بعمر 12 سنة كنت في الصف السادس الإبتدائي, حين قرر والدي تزويجي من أبن عمي الذي يكبرني بـ8 سنوات, لم أكن أفهم ما يعني ذلك سوى أن أترك دراستي وزميلاتي في المدرسة لأكون كوالدتي أهتم بشؤون المنزل والأطفال, لم يكن لي رأي لا بالرفض أو الموافقة, غير تنفيذ ما يقولهُ والدي, أُجبرت على أرتداء الحجاب كوني سأصبح امرأة متزوجة, ثم تغيرت حياتي من طفلة تحاول أن تجتهد لتتفوق وتنجح في دراستها, إلى أمرأة بهيئة عروس, تم اجراء عقد الزواج بحضور رجل دين, لم أكن على دراية بما يتوجب عليّ فعلهُ, كل ما حصل لي كأنه كابوس, أستمر معي حتى اليوم, حملت بطفلي الأول بعد شهرين من زواجي, تطوع زوجي للإلتحاق بالحشد الشعبي للقتال ضد تنظيم داعش, أثناء غياب زوجي تعرضت للتحرش من قبل شقيق زوجي كان يحاول البقاء مستيقظ حتى وقت متأخر من الليل, يطرق باب غرفتي بحجة أنه يطمئن أن كنت بحاجة لشيء، حاول مرّة أن يلمس جسدي, كنت أدخل إلى الحمام وأبقى هناك حتى الصباح, ما كنت أعرف ما يتوجب علي فعله هل أخبر أهلي , ام أخبر عمي وزوجته, وكوني وقتها كنت غير مدركة شكل الحياة الجديدة, وخوفًا من إلقاء اللوم عليّ بقيت صامتة, وضعت طفلي الأول, ثم بعد مرور ثلاثة أشهر حملت بطفلي الثاني, وقبل أن يرى الحياة كان زوجي قد أستشهد اثناء معارك تحرير مدينة الموصل, وعندما قررت استخراج اوراق ثبوتية لأطفالي أكتشفت أن عقد زواجي عند رجل الدين غير مصدق في المحكمة ولا يمكن أثبات نسب الطفلين, بعد مراجعات طويلة برفقة والدي خلال سنتين للمحاكم, تمكنت من أستحصال وثائق ثبوتية لأطفالي, عدتُ للعيش في بيت أهلي, اليوم أنا اراقب زميلاتي اللواتي كن معي في المدرسة الإبتدائية, يستعد بعضاً منهن لدخول الجامعة لأكمال تعليمهن, بينما أغلبهن تزوجن, أعيش من خلال راتب زوجي الشهيد حاليًا, ولو عاد الزمن بي لبقيت في مقاعد الدراسة”.
وبحسب وزارة العدل العراقية, فأن غالبية عقود الزواج التي تتم خارج محكمة الأحوال الشخصية تحرم الفتيات من أيّ حق قانوني في حال عدم تصديق العقد قانونيًا, وكذلك صعوبة أثبات نسب الأبناء وضياع حقوقهم, بسبب دفع الأهالي إلى أجبارالطفلات على الزواج المبكر خصوصًا في المناطق ذات الطابع العشائري, والعوائل التي تعاني من أوضاع إقتصادية متردية, للتخلص من عبئ المعيشة, مبررين تلك الزيجات كهدف للبحث عن الأستقرار وتوفير المعيشة الأفضل في ظل الظروف الأقتصادية الصعبة.
يأتي نص المادة من قانون الأحوال الشخصية العراقي رقم 188 لعام 1958 (ليسمح بزواج الأشخاص ممن اكملوا 15سنة, شرط أن يثبت اهليته للزواج, وبعد موافقة الولي الشرعي, وتوفر القابلية البدنية, ورأي المحكمة)
ومع أرتفاع أعداد زواج الطفلات وعدم تسجيلها في عقود قانونية لدى محاكم الأحوال الشخصية, مما يعرض الزوجة واطفالها لمتاعب وضياع الحقوق في حال حدث أنفصال, يرى بعض المختصين أن تشريع قانون الزواج بعمر15 في سبيل حث الفئات العشائرية التي تتبع العقود الشرعية فقط, إلى تسجيل الزواج في المحاكم المختصة وضمان حقوق المرأة وليس الهدف منه تشجيع هذا النوع من الزواج .
من جانبه يقول حسين المولى-دكتوراه في القانون الجنائي أن”الزواج بعمر 15سنة, وعقود الزواج الخارجية (عن طريق رجال الدين) لا تصب في مصلحة المجتمع, ولا الأطفال أو الزوجة , مؤكدًا أن المحاكم تتبع شروطاً صارمة لأتمام العقود في هذا العمر وتخضع إلى رأي القاضي, مبينًا أن احد أسباب أرتفاع حالات الطلاق بحسب الأحصاءات الرسمية لمجلس القضاء الأعلى هو الزواج المبكر”.
مضيفًا أن “البرلمان وأعضاؤه يستجيبون للضغط المجتمعي من خلال الناشطين الحقوقيين ومنظمات المجتمع المدني لدورها المهم في نشر الوعي الأجتماعي, والعمل على حملات مدافعة تحث أعضاء البرلمان على طرح تعديل قانون الأحوال الشخصية خلال الدورة البرلمانية الحالية”.
مؤكدًا (المولى) على” صعوبة إلتزام المجتمع العراقي بالقانون الذي يحدد سن الزواج حتى في حال تشريعه, وأهمية تشديد العقوبات الرادعة كالسجن على عقود الزواج خارج المحكمة, أو عدم تسجيلها خلال مدّة أقصاها أسبوع”.
وترى الباحثة الإجتماعية “ورقاء سعد” التي تعمل كمرشدة تربوية في محافظة المثنى جنوب العراق، إن”المستوى التعليمي للأم يساهم بتعزيز فرص أطفالها في الحصول على تعليم أفضل, وتعبر عن قلقها حيال الخطر الكبير الذي يحيط المجتمع العراقي في الوقت الراهن, بسبب حرمان الفتيات من التعليم عند عمر مبكر, وخصوصًا في المحافظات الجنوبية, حيث هناك العديد من الأسر تجبر الفتيات على ترك مقاعد الدراسة أما لسوء حالتهم المعيشية, أو لتزويجهن, والأخير هو السائد..مما سينشأ جيل أقل تعليمًا من سابقه, وللحد من ظاهرة تسرب الفتيات من المدرسة، تحاول من جانبها توعية أولياء الأمور على أهمية التعليم للأناث خصوصًا في المجتمعات التي مازالت ترى دور المرأة محدود داخل المجتمع, مؤكدة على أهمية وجود توعية مستمرة للفتيات وذويهم حول المخاطر النفسية والجسدية للزواج بعمر مبكر, داخل المؤسسات التعليمية, و وزارتي التربية والصحة بشكل خاص, للحد من ظاهرة تسرب الفتيات من الدراسة بعمر صغير”.
انتاج:انترنيوز

Exit mobile version