من الواقع

في جنوب العراق .. فتيات يواجهن التقاليد المجتمعية بالرياضة

مرتضى الحدود

رغم البيئة المجتمعية المحافظة التي تعيشها مدينة الناصرية جنوب العراق من العادات والتقاليد الريفية المحافظة اذ تمنع انخراط الفتيات في ممارسة الهوايات اذ يرونها منحصرة على الرجال دون النساء، الا انهن تمردن على تلك العادات وكسر حاجز الخوف وكسب الدعم ليكونن مثالا لغيرهن.

فتيات في العشرينات من ربيعهن تمكن في غضون سنوات قليلة من احراز اهداف عالية في المجالات الرياضية المختلفة اذ تمكنت ثلاثة منهن في الناصرية من حيازة ميداليات ذهبية وفضية في المحافل العربية والعالمية والمحلية.

نبأ سمير ذي الواحد والعشرين من عمرها مثلت العراق في رياضة كرة الطاولة بعد مضي سنوات قليلة من الانخراط في المدرسة الرياضية التخصصية اذ جاءتها في سن السابعة من عمرها وبعد سنتين احترفت اللعبة حتى روضة الكرة بمضربها الخشبي.

فمنذ سنواتها الأولى، لم تقف عائلتها عائقا امام هوايتها ورغبتها وعملت على دعمها رغم الانتقادات المجتمعية والتي جعلتها حافزا نحو تحقيق مرادها. وكان المجتمع المحيط بها يرى بأن نبأ وغيرها لا مكان لها في المجال الرياضي بل في المدرسة والمنزل.

تتحدث لنا هي مرتدية الزي الرياضي ماسكة مضرب الكرة بيدها اليمنى وتشير الى ان هذه الهواية مكنتها من نيل المراكز المتقدمة حتى أصبحت قدوة لإقرانها وان عائلتها وقفت الى جانبها حتى كبرت وأحرزت المراكز الأولى واسكتت تلك الافواه الحجارة بعملها ومثابرتها وأصبحت مثالا للاعبات النسوية الشابة.

أولى بطولات “نبأ” كانت عام 2010 لفئة البراعم اذ كانت تبلغ من العمر انذاك 10 سنوات وحصدت المركز الأول بين بقية الفرق العراقية لتكثف تدريباتها بمساعدة مدربها عقيل جبار وتأهلت عام 2011 لبطولة العرب في العاصمة الأردنية عمان وحصدت المركز الثالث.

حلم الرياضة والدراسة

ووفقا لحديثها انها لم تترك دراستها الاكاديمية اذ تعمل على الاهتمام بدراستها مع رياضتها فحققت معدلا علميا عال مما أهلها لدخول كلية طب الاسنان وتحرز بذلك تفوق جديد علميا ورياضيا ولم تتوقف عند ذلك الحد لتقوم بتمثيل بعض اندية المحافظات والوزارات هي تدرس في كلية طب الاسنان واشتركت بمعسكرات تدريبية كنادي غاز الجنوب ونادي الصناعة ونادي النجف وغيرها وبلغت مشاركاتها العربية والدولية 30 مشاركة وحازت حتى الان 40 ميدالية بنيها سبعة ذهبيات

مدربها عقيل جبار يقول انه عمد منذ افتتاح المدرسة الرياضة الى محاولة زراعة الثقة في نفوس المقربين له من الأصدقاء بجلب الفتيات اليه كي يعلمهن وبالتالي تنمية مواهبهم فيعلم جيدا ان واقع المدينة لا يمكن الخروج منه اذ ما أقدم على خطوة الثقة المتبادلة فضلا عن قناعته بان هناك مواهب قد دفنت نتيجة العادات والتقاليد المجتمعية لذا كسب ود الجميع وخلق جيل رياضي من الفتيات في مجال الطاولة.

الساحة والميدان مجالا رياضي تحطمه فتيات من ذوي الاحتياجات الخاصة

ومن رياضة كرة الطاولة الى رياضة الساحة والميدان في رمي الرمح والثقل والقرص الحديدي وهذه اللعبة بحاجة الى جهد ذكوري بحسب الاعتقاد الشائع، فكيف بإمكان فتاة ممارستها وسط مجتمع وضع القيود امامها فضلا عن انها من ذوي الاحتياجات الخاصة.

اماني نصار ذات الأربع والعشرين عام من ذوي الاحتياجات الخاصة فقدت ساقيها بحادث عرضي مما جعلها مقعدة على كرسي مدولب وتركت المدرسة لفترة من الزمن ومن ثم عادت اليها بمساعدة والدتها التي توصلها بشكل يومي ورغم ذلك كانت هناك أصوات من قبل بعض المعلمات ان المنزل افضل لها من الجلوس في مقاعد المدرسة.

الفتاة العشرينية لم تسمح لنفسها ان تكون اشبه بشيء غير نافع لنفسها او لعائلتها لذا عمدت الى المشاركة في احدى الرياضات التي تتناسب مع حالتها الصحية وكانت الفكرة مرحبة من قبل عائلتها لعل هذا الامر يغير من واقعها التي هي فيه.

المجتمع لم يدخر جهد في وضع العراقيل امام نساء الرياضة

محيطها المجتمعي بحسب “اماني” كان يسمعها كلام بين حين واخر ان المراة لا يمكن ان تنخرط في مجال الرياضة وانها معاقة وغير قادرة على الجهد ومجاراة الألعاب وان المنزل خير مكان للحفاظ على وجودها، الا انها حطمت ذلك الوجود العُرفي وان تنتصر لنفسها ولفئة شريحتها من النساء.

اندمجت في عالم الرياضة عندما انخرطت بها وتعلمت في غضون فترة وجيزة واستطاعت من المشاركة في بطولة فزع الدولية التي أقيمت في الإمارات العربية المتحدة سنة 2012 وعززتها بثلاثة أوسمة ذهبية في بطولة أسياد آسيا-شباب-لذوي الاحتياجات الخاصة التي أقيمت في ماليزيا سنة 2014.

رغم عوقها اللاعبة “اماني” ترفع اسم مدينتها المحافظة في المحافل الدولية

اماني وهي جالسة على كرسيها المتحرك والى جانبها كأس حازت عليه في احدى البطولات تسرد ان الإعاقة حولتها الى بطلة لأسيا وإنها أصبحت مثال لبقية الرياضيات من اقرانها ولم تستمع الى تلك الأصوات المجتمعية التي تريد ان تقلل من شأن النساء.

لم تكتف الى حد رمي الرمح والثقل والقرص الحديدي بل تعدى الامر لان تخض رياضة الرمي بالمسدس الهوائي وحققت فيه إنجازين اول وثاني ببطولتين متتاليتين على المستوى الوطني.

كرة القدم رياضة طرقتها النساء رغم الانتقادات المجتمعية لتحرز نتائج مبهرة

على الرغم من الانفتاح الثقافي والتكنولوجي الا ان الثقافة المجتمعية بقيت مغلقة، الا ان مدرب فريق ذي قار لكرة القدم النسوية هشام العبادي بذل جهده من أجل اخراج الطاقات النسوية وترجمتها الى ارض الملاعب لتكون رؤية المجتمع عن الفتيات مختلفة وابتداء من أصدقاء له والمقربين منه ليجد بذلك في اللاعبة “امل مهدي” قدرة رياضية متقدمة لتكون بذلك كابتن فريق القدم النسوية.

امل لم يتجاوز عمرها الـ 18 والتي تسكن وسط حي شعبي في الناصرية استطاعت الانضمام الى صفوف الفريق اذ كانت قاعة التدريب بالقرب من منزلها وحصلت على دعم اخيها الذي يكبرها بعدة سنوات.

واجهة المجتمع بإحراز النجاحات المستمرة بحسب كلامها فهي ترأست فريقها رغم صغر سنها والانتقادات التي لاحقتها بشكل واسع من قبل القاطنين في الحي السكني فضلا عن الذي يريد ان يسلط نفسه سلطان على الجميع ويرددون عباراتهم الرياضة لا تلائم النساء في المجتمع العراقي الا انها عملت على تغيير هذه النظرة التي تحاول من احباط الهمة العالية للمرأة.

حققت “امل” مراكز متقدمة وترشحت مرتين للعب في المنتخب الوطني لغرض الانخراط في صفوفه وتمثيله في المحافل الدولة.

هذا التحدي الكبير الذي يواجه النساء في مدينة الناصرية وبقية مدن الجنوب خلق جيل متمردا الى حد ما على تلك المبادئ التي لا تمت الى الآداب والأخلاق العامة في المجتمع وعمدت العديد من الفتيات الى توعية المجتمع بخطورة تلك التقاليد ان بقيت على ما هي عليه لذا تجد هذه المدينة بين فترة وأخرى وهي تصارع من اجل إقامة البازارات والمسابقات الرياضية من اجل اقناع محيطها بان الفتيات لهن دور في صناعة الواقع المجتمعي.

م/انترنيوز_اصواتنا

زر الذهاب إلى الأعلى