من الواقع

منتسبات وزارة الداخلية والصورة النمطية عن المرأة

منى عبد الغني

تجلس (صدى جبار) في مكتبها الأمني وعلى كتفيها نجوما خماسية وهي رتبة عسكرية متداولة بين أجهزة الشرطة في العراق إذ تقوم بمراجعة ملفات التحقيق التي تكفلت بمتابعتها، لتكسر بعملها هذا حاجز القيود التي يعيشها المجتمع الجنوبي، الذي لا يتقبل ان تكون للمرأة دورا في مجاراة أعمال الرجال كالشرطة والجيش بسبب غلبة الطبيعة القبلية فيه والقيود التي تفرضها العادات والتقاليد ضد النساء.

لم تستسلم “صدى” لتلك القيود والعادات الموجودة في مجتمعها لتبدأ بذلك مرحلة جديدة في حياتها من التحدي في سلك أمني، محطمة قيود مجتمعية بالية من شأنها تكبل يديها، لتنطلق نحو تحقيق حلم طفولتها في أن تكون ضابط شرطة

حازت على رتبة ملازم من كلية الشرطة عام 2015 تنخرط بالتالي في عملها الأول بشرطة النجدة. وتعد شرطة النجدة واحدة من أكثر مفاصل الشرطة ارهاقا إلا أنها رغبت في تحقيق طموحها للوصول إلى مرتبة عالية في هذا المفصل وكسر الرؤية المجتمعية التقليدية التي تقيد المرأة ولا يمكن بنظرها أن تجاري الجميع.

لم تتردد في ان تتحدث لنا صدى ورأسها تعلوه قبعة مدورة تسمى وفق الأعراف العسكرية ” البيرية”. تدرجت صدى في الرتبة العسكرية خلال سنوات خدمتها حتى حازت على ملازم أول عام 2017 وهي تعمل الآن في قسم حماية الأسرة والطفل بمدينة الناصرية وتقوم بإنجاز مهامها الأمنية.

بينما تقلب بأوراق أحد ملفاتها التحقيقية تنهدت قاطبة بنظرات لا تخلو من بعض الألم تروي أولى معاناتها في عدم تقبل أبناء عمومتها وقبيلتها لمهنة الشرطة بالرغم من موقف عائلتها المشجع بحسب قولها فضلا عن أن الشارع لم يتقبل فكرة عملها كضابط في الشرطة. ومن خلال النظرات التي تدور حولها علامات الاستفهام تقول، “كأنني كائن غريب من الفضاء وأنا أخرج للعمل ببدلتي العسكرية وكثيرا ما كنت أسمع كلمات غير لائقة في حقي، أما في العمل”.

استكملت حديثها قائلة “في بداية الأمر صدمت ببعض المنتسبين الذين لم ترق لهم أن تعمل معهم امرأة شرطية أو ترأسهم. يسخر الكثير من الرجال من دخول المرأة في هذا السلك حيث يعتبرونه مزاحمة لهم والبعض يشجعونها في العلن ويستعرون منها في الخفاء. “إلا أنني في أماكن عملي استطعت أن أفرض احترامي من قبل الجميع وأنا فخورة بنفسي ولم أندم على اختياري مهنتي كضابط، سيما أنني محظوظة بعائلتي التي وقفت معي وتدعمني باستمرار، ولكن الدور الأكبر في دعمي وتشجيعي هو خالي أبو شهد” قالت صدى. تحدثت لنا عن عائلتها بنظرة مملوءة بالفخر والامتنان بعد ملامح الاحباط من المجتمع وبعض من يدعي مناصرة المرأة علنا وفي جعبته رأي آخر مضاد حسب قولها.

المسؤول الأمني يرمز له بـ (ح. ع) خوفا من المساءلة القانونية، فعادة ما يكون ضباط الشرطة من الرتب العالية لا يسمح لهم بالإدلاء في أي تصريح يقول: “في الوقت الحالي ونتيجة تطور المجتمع ونجاح المرأة في مجالات عديدة، نظرة الرجل تغيرت لزميلته المنتسبة في سلك الشرطة، ورغم أن التخصيصات المالية هي السبب الرئيس في قلة العنصر النسوي وعدم انخراطها في هذه المهنة فضلا عن نظرة المجتمع ورفض بعض الأسر عمل ابنتهم في الشرطة”.

على رغم الطبيعة المجتمعة والنظرة الشمولية السائدة ضد المرأة، إلا أن قادة القبائل عادة ما يكون لهم رأي مخالف وقد يكون مناصرا للمرأة ومواكبا لكل جديد. ويقول الشيخ مؤيد النصر الله شيخ قبيلة النصر الله في هذا السياق “انه لا يستطيع أن ينكر أن أغلب المجتمع الجنوبي يرفض فكرة عمل المرأة في سلك الشرطة وارتدائها زي هذه المهنة والذهاب للعمل بين صفوف الداخلية، وهذه ثقافة مجتمع لا يمكن تغييرها بين يوم وليلة، الا أنه من الواجب عدم الوقوف مكتوفي الأيدي فنحن كشيوخ عشائر علينا أن ندعو عشائرنا جميعا لمواكبة التطور وإعطاء المرأة دور في كل المجالات منها مجال الامن، لأن هناك مراجعات نساء وسجون للنساء وشرطة مجتمعية وغيرها من الأقسام التي تستوجب أن تكون امرأة شرطية تمارس عملها إلى جانب أخيها الرجل بكل احترام وتقدير”.

“صدى” مع كل الظروف المحيطة بها لم تتوقف من التقدم بتلك الخطوات التي سارتها وخطتها هي وزميلاتها في القوات الأمنية بزيها العسكري في التحقيق بجميع الملفات التي توضع على مكتبها الخشبي صباح كل يوم وتركب العجلة الحكومية التي خصصتها الدائرة لها وتحضر الورش التثقيفية والتوعوية عن مخاطر التعنيف والابتزاز الالكتروني ودور الشرطة في الحد منها.

انترنيوز-اصواتنا

 

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى