الاسرة والمجتمع

عندما يكون القانون محرضاً وغير عادلاَ تدفع النساء الثمن باهضاَ

علي الاحمد

تعتبر التشريعات الوطنية ذات اهمية كبيرة في حماية الحقوق والحريات و الارواح والممتلكات والحفاظ على الامن العام والمصالح العامة والاستقرار المجتمعي وتعزيز الامن والسلم بين افراد المجتمع وغيرها من الوظائف المهمة التي تؤديها القوانين ولا يختلف الحال بالنسبة للعراق، و قد جاء النص الدستوري واضحا وصريحا في المادة (14) من دستور العراق النافذ لعام 2005 على ان العراقيون متساوون امام القانون  دون تمييز بسبب الجنس او.. وكذلك المادة الدستورية (29)

رابعا والتي نصت على منع أشكال العنف والتعسف في الأسرة والدولة والمجتمع، الا ان المرأة العراقية  مازالت تعاني تهميشا واضحا وصريحا في الكثير من الحقوق والحريات المكفولة دستوريا ودوليا و تتعرض في كل يوم الى انتهاك واضح وصريح و في مقابل ذلك لا يوفر لها القانون الحماية الكافية بل يكون هو احد الاسباب الرئيسية  من خلال بعض نصوصه المحرضة على العنف، اضافة الى تلك النصوص التي تنحاز لصالح الرجل على حساب حياة المرأة وكرامتها وتعطيه “الحق القانوني” لانتهاك  حقوقها، الامر الذي يستدعي مراجعة شاملة ودقيقة لتعديل منظومة التشريعات و بما يوائم الدستور والالتزامات الدولية الخاصة بالمرأة  دون تمييز او انحياز على اساس الجنس.

قانون العقوبات العراقي

يرى الحقوقي علي عبد الامير بان قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل النافذ، من ابرز التشريعات الوطنية التي تحتوي على نصوص تميزية واضحة وصريحة لصالح الرجل، كما اشتملت بعض نصوصه على تحريض واضح لارتكاب بعض الانتهاكات ضد النساء.

ويشير عبد الامير الى المادة (41) من قانون العقوبات العراقي و التي تبيح للزوج ممارسة العنف ضد زوجته بداعي “التأديب” أي ان القانون لا يعتبر ارتكاب فعل العنف بهذه الحالة “جريمة” كونه حق مقرر بمقتضى القانون، اذ تنص المادة على ان لا جريمة إذا وقع الفعل استعمالاً لحق مقرر بمقتضى القانون، ويعتبر استعمالا للحق:-

  1. تأديب الزوج لزوجته في حدود ما هو مقرر شرعاً أو قانوناً أو عرفاً، وهنا اعطى المشرع بشكل واضح وصريح الحق للزوج بتأديب زوجته دون ان يعطي الحق للزوجة ايضا كما انها مادة تحرض على ارتكاب العنف ضد المرأة خاصة وان النص سمح بالتأديب في نطاق الاعراف، وهذه بحد ذاتها جريمة بحق المرأة لان الاعراف المجتمعية في العراق معروفة بقسوتها وشدتها فكيف اذا كانت مؤيدة بنص قانوني.

واعتبر عبد الامير وضع الزوجة في خانة التأديب الى جانب “الاطفال القصر” اهانة كبيرة واستصغار لمكانة وقيمة الزوجة وكأنها تتصرف كالطفل القاصر الذي يحتاج التأديب.

ويكمل عبد الامير: لم يقتصر القانون على هذه المادة فقط بل هناك مواد اخرى منها الاحكام في المادة (377) والتي فرقت في العقوبة بين الزوج والزوجة لصالح الزوج في حال وقوع جريمة “الزنا” إذ جرمت الزوجة الزانية بشكل مطلق ولكنها لم تجرم الزوج إلا في حال ارتكابه الزنا في منزل الزوجية.

وتضمنت المادة (427)ايقاف تحريك الدعوى أو وقف تنفيذ العقوبة بحق “الخاطف” في حال زواجه من الضحية المخطوفة، وايضا المادة (398)من القانون نفسه التي اعتبرت الزواج عذراً مخففاً بحق مرتكبي جرائم الاغتصاب، ويستمر الوضع بالنسبة للأحكام القانونية المتعلقة بالقتل غسلاً للعار، بحسب عبد الامير.

تعليمات حكومية تميزية

رصد تقرير الظل لسيداو الصادر في العام 2019 وجود تعليمات حكومية وضعتها هيئة السياحة تمنع مبيت المرأة لوحدها في الفنادق مشترطة وجود “محرم” او كتاب رسمي صادر من جهة حكومية او غير حكومية تؤيد ذلك.

 وبحسب شبكة النساء العراقيات التي اعدت التقرير فان الامر لم يتوقف عند هذا الحد، بل شمل ايضا التشدد في منح بعض النساء بطاقة السكن في حال كانت المرأة غير متزوجة او مهجورة وتسكن بمفردها، رغم ان القانون اعطى الحق لكل عراقي أتم الثامنة عشر من عمره ويسكن بمفرده ان يعامل معاملة رب الأسرة في تنظيم بطاقة السكن وهي وثيقة أساسية في المعاملات الرسمية، ولهذا فان عدم حصول النساء على البطاقة سيحرمهن من حقوقهن الأخرى كإصدار جواز السفر أو الحصول على الراتب التقاعدي أو القروض وغيرها.

ولا يمنح القانون العراقي الأم حق استخراج جواز السفر لأبنائها وذلك لأن الاب هو الولي الجبري على أبنائه القاصرين استنادا لأحكام المادة (۲۷) من قانون رعاية القاصرين رقم 78 لسنة ۱۹۸۰، ولكن يمكنها ذلك من خلال “وكالة خاصة” يمنحها لها الاب يخولها بمراجعة الجوازات وإصدار جواز سفر لأبنائهم القاصرين.

وبسبب الولاية الجبرية للأب تعاني الكثير من الامهات من استصدار المستمسكات الرسمية لأبنائهن خاصة المتعلقة بالسفر ولا يمكنهن الحصول عليها الا بعد سلسلة اجراءات قانونية وفي حالات محددة بموجب القانون كان يكون الاب مفقود، او مسافر خارج العراق، او محكوم بالسجن ،او مجهول محل الإقامة.

لا شرف في جرائم الشرف

يقول المحامي محمد جمعة: ان بعض جرائم قتل النساء دونت على انها “غسلا للعار” لكن السبب الحقيقي هو مطالبتهن بحقهن القانوني والشرعي بالميراث، ولكن الجناة استغلوا الاعذار القانونية المخففة لتنفيذ جرائمهم وبذلك تخلصوا من امرأة تطالب بحقها مقابل عقوبة مخففة وفق القانون.

وبحسب جمعة فان بعض ضحايا الابتزاز من الفتيات حاولن حماية أنفسهن من خلال القانون الا انه وبسبب الروتين ينفذ المبتزون جرائمهم، واحدة منهن قيل انها انتحرت و دونّ في محضر الشرطة بانها كانت تعاني من مشاكل نفسية، في حين بقي المبتز حراَ طليقاَ.

نصوص جائرة متخلفة

الناشطة عبير سالم تصف النصوص القانونية التميزية والمحرضة ضد المرأة “بالجائرة المتخلفة”

توضح سالم: ونحن نعيش عصر التطور والتقدم في مجال حقوق المرأة مازالت تلك النصوص القديمة تتحكم بمصير النساء، بل وتحرض بالضد منهن وتكرس التفضيل الذكوري، وخاصة ما يتعلق بتأديب الزوجة وكأنها هي فقط من يقوم بأفعال تستحق التأديب حتى افترض القانون مسبقا قيامها بذلك بل واباح للزوج حق تأديبها وكأن الزوج مطلق الادب وهو من الانبياء والمعصومين لا يقوم باي فعل يستحق عليه عقوبة التأديب، وهنا نسال اين قيمة الزوجة والام حينما توضع مع الاطفال القصر في خانة التأديب المطلق الممنوح للرجل.

و مع ان نسبة 29 بالمئة من العراقيات يتعرضن الى العنف بكافة اشكاله والذي ارتفعت مؤشراته خلال فترة جائحة كوفيد-١٩ حيث خضعت النساء الى مختلف انواع العنف وبشكل مستمر، ورغم ذلك مازال المشرع العراقي متمسكا بالنصوص المحرضة على العنف ضد النساء وفقا للناشطة.

وبحسب الناشطة فان الظلم والجور القانوني يتضح أكثر في تلك النصوص التي تسمح للمجرم المغتصب بالزواج من ضحيته وهذا ما يعني اجبار الضحية على الزواج بالإكراه وهذه مخالفة واضحة لأُسس الزواج القائمة على اساس الرضا والقبول. وتقول الناشطة بهذا الخصوص، “فمن المستحيلات ان ترضى الضحية بالزواج من مجرم اغتصبها ودمر حياتها فكيف ستتخلص من كابوس تفاصيل الاغتصاب وكيف ستكمل حياتها انه تشريع “لاغتصاب مستمر” تحت عنوان الزواج”.

اثار وخيمة

لا تخلو تلك النصوص التمييزية والتحريضية من اثار وخيمة نفسية واجتماعية على النساء الضحايا، تشير الباحثة النفسية ابتسام نعمة الى ان ضحايا تلك الجرائم وخاصة الاغتصاب والاختطاف والعنف يعشن اوضاعا نفسية صعبة اضافة الى وصمة العار المجتمعية التي لا ترحم وقد يتعرضن الى العنف المتكرر والاستغلال او يدفعهن ذلك الى الانتحار للتخلص من الظروف الصعبة المحيطة بهن.

اصلاحات شاملة

دعا الحقوقي علي عبد الامير مجلس النواب العراقي الى مراجعة شاملة للمنظومة التشريعية والعمل على الغاء كافة النصوص التمييزية والتحريضية التي تستهدف المرأة ووضع أقسى العقوبات بحق مرتكبي الجرائم ضد النساء ومحاكمة المجرمين وعدم التهاون معهم تحت أي ظرف وتشريع قانون الحماية من العنف الاسري، وطالب عبد الامير السلطات العراقية بمراعاة الالتزامات الدولية ومنها اتفاقية سيداو والعهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية الذي وقع عليه العراق دون أي تحفظ.

فيما اكدت الناشطة عبير سالم على اهمية ان تتحمل السلطات الحكومية مسؤوليتها تجاه النساء وحمايتهن من جميع اشكال العنف والعمل على الغاء تكريس المواريث الذكورية الرثة، ودعت منظمات المجتمع المدني ووسائل الاعلام الى إطلاق وتكثيف حملات الغاء التمييز والتحريض في القانون والمطالبة بالإصلاحات التشريعية المنصفة وعلى عضوات مجلس النواب العراقي مساندة هذه الحملات.   من جانبها اشارت الباحثة النفسية والاجتماعية ابتسام نعمة الى   ضرورة واهمية فتح دور ايواء آمنة ومراكز متخصصة لمعالجة ضحايا الاغتصاب والاختطاف والعنف وتقديم برامج الرعاية والتأهيل الصحي والنفسي والاجتماعي وتوفير فرص عمل للناجيات من العنف القائم على النوع الاجتماعي لضمان اعادة اندماجهن في المجتمع.

انتاج:انترنيوز

زر الذهاب إلى الأعلى